الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/02/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/مرجحات باب التزاحم

الكلام في المرجح الرابع وهو الترجيح بالاسبقة الزمانية وورد في تقريرات السيد الخوئي [1] انه اذا كان احد الواجبين اسبق زماناً من الآخر بمعنى ان يكون ظرف امتثاله متقدم على ظرف امتثال الاخر مع كون الوجوب في كل منهما فعليا بنحو التعليق بان يكون الواجب متاخرا كما اذا نذر يوم السبت صوم يوم الخميس وصوم يوم الجمعة وافترض حصول العجز عن صومهما معاً فهل يتقدم الاسبق زماناً او لا ؟

ومثل ما اذا دار الامر بين ترك القيام في صلاة الظهر وترك القيام في صلاة العصر بان كان المكلف غير قادر على القيام في الصلاتين فهنا قالوا بانه يتقدم الاسبق زمانا فيجب عليه القيام لصلاة الظهر وترك القيام لصلاة العصر

وذكر ان الوجه فيه ان الاتيان بالمتقدم زماناً يوجب العجز عن المتأخر فيكون التكليف بالمتاخر منتفي باعتبار انتفاء موضوعه وهو القدرة لان المعتبر من القدرة في صحة التكليف هو القدرة في ظرف الامتثال وفي ظرف الامتثال هو غير قادر على صوم يوم الجمعة فاذا جاء بالمتقدم يصبح عاجزاً عن الاتيان بالمتأخر في ظرف امتثاله فينتفي التكليف بالمتأخر بخلاف الاتيان بالمتأخر زماناً فانه لا يوجب العجز عن الاتيان بالمتقدم في ظرفه لانه في ظرفه هو قادر على الاتيان به والمعتبر في صحة التكليف هو القدرة على الفعل حين الاتيان به في ظرف الامتثال

وعلى هذا الاساس يتقدم الاسبق زماناً لان التكليف به ملاكه فعلي لان شرط التكليف به هو القدرة عليه في ظرفه وهي موجودة بينما التكليف بالمتأخر لا يكون فعلياً مع الاتيان بالمتقدم لعدم القدرة عليه وهي شرط في التكليف

نعم استثنى حالة ما اذا كان المتأخر اهم ملاكاً من المتقدم ففي هذه الحالة لا يجوز له الاتيان بالمتقدم بل يجب عليه ان يتحفظ على قدرته ويأتي بالمتأخر وهو الاهم والوجه في ذلك هو ان الاتيان بالمهم حينئذ يكون موجباً لعجزه عن الاتيان بالاهم في ظرفه كما اذا دار الامر بين حفظ مال المولى الآن وبين حفظ نفس المولى غداً وصرف القدرة في حفظ ماله يوجب عجز المكلف عن الاتيان بالاهم فيجب عليه حفظ قدرته الى حين حلول الاهم ويأتي به ويترك المهم

وحاصل ما ذكره ان سقوط كل واحد من الواجبين المتزاحمين انما يكون بامتثال الاخر فسقوط الثاني يكون بامتثال الاول وهكذا سقوط الاول بامتثال الثاني لان امتثال كل منهما يوجب العجز وعدم القدرة عن الاخر ومن الواضح انه في محل الكلام لا يوجد ما يوجب سقوزط التكليف به لانه في ظرف المتقدم هو لم يمتثل الاخر والمفروض ان سقوط التكليف يكون بامتثال الاخر وهو لم يمتثل الاخر بخلاف المتاخر فانه يوجد ما يسقطه وهو امتثال الاول

ولوحظ عليه بانه تارة نتكلم في المقام مع افتراض كون كل واحد من الواجبين المتزاحمين مشروط بالقدرة العقلية واخرى نتكلم مع افتراض ان كلاً منهما مشروط بالقدرة الشرعية

اما اذا افترضنا ان كلا منهما مشروط بالقدرة العقلية غير الدخيلة في الملاك فبناء على هذا لا وجه لترجيح المتقدم زمانا على المتأخر زماناً باعتبار ان المفروض في محل الكلام ان الواجبين متساويان في الاهمية لانه استثنى ما اذا كان المتأخر اهم ونفس الكلام اذا كان المتقدم اهم فيجب تقديمه فلا كلام في تقديم الاهم سواء كان متاخراً او متقدماً

فمحل الكلام في ما اذا كانا متساويين في الاهمية فحينئذ نقول ان كلا منهما مشروط بذلك القيد الارتكازي اللبي وهو عدم الاشتغال بضد واجب فعلي الملاك لا يكون اقل اهمية منه اي انه مشروط بعدم الاشتغال بضد واجب اهم او مساوي وحيث ان المفروض انهما متساويان في الاهمية فيكون كل منهما مشروطاً بعدم الاشتغال بالاخر

وهذا معناه ان الاشتغال بكل واحد منهما يكون رافعاً لموضوع الآخر وحينئذ لا وجه للترجيح فكل منهما مقيد بالقيد اللبي الارتكازي والمفروض انهما متساويان فيكون كل منهما مشروطاً بعدم الاشتغال بالاخر فلا فرق بينهما من هذه الجهة ولا وجه لترجيح الاسبق زماناً على الآخر

واما ما اشار اليه في مصباح الاصول من دعوى ان القدرة المعتبرة في التكليف هي القدرة في ظرف الامتثال وعلى هذا الاساس قدم الأسبق زماناً على المتأخر زماناً

اقول ان ما ذكره كوجه لترجيح الاسبق زماناً مبني على الرأي القائل بانه يشترط في صحة التكليف بشيء القدرة عليه في ظرف الامتثال، ولا يكفي فيه ان يكون المكلف قادراً على التكليف حين التكليف وفي زمان فعلية التكليف

ولكن هذا المبنى غير تام فالصحيح انه يكفي في صحة التكليف بالشيء ان يكون المكلف قادراً عليه حين التكليف فيتوجه اليه الخطاب ويكلف بالشيء حينما يكون قادراً عليه فعلاً وحينئذ يجب على المكلف ان يحفظ هذه القدرة الى حين حلول وقت الواجب لان التكليف صار فعلياً، وبناء على هذا الرأي لا يتم ما ذكره السيد الخوئي من الوجه في تقديم الاسبق زماناً باعتبار ان القدرة المعتبرة في صحة التكليف متحققة بالنسبة الى كل منهما فالمكلف حين توجه الخطاب اليه قادر على امتثال الاسبق زماناً كما انه قادر على امتثال التكليف المتأخر زماناً فلا مانع من ان يتوجه اليه التكليف بكل منهما فهو قادر على كل منهما وبعد ذلك تبين انه غير قادر على امتثال كل منهما فيقع التزاحم بينهما فلماذا نقول يمتثل الاسبق زمانا ويترك المتأخر مع ان التكليف بكل منهما فعلياً ومجرد كون هذا اسبق زماناً لا يوجب الترجيح بعد تساويهما في الاهمية وان الاشتغال باي منهما يرفع موضوع الاخر وتساويهما في ان التكليف بكل منهما تكليف فعلي قد تحقق شرطه لان شرط صحة التكليف هو القدرة حين توجيه الخطاب، فلا وجه لهذا التقديم بناء على هذا الراي

هذا كله بناء على ان القدرة عقلية فاذا كانت القدرة عقلية فلا وجه لهذا الترجيح

 


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج48، ص435.