الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/مرجحات باب التزاحم

كان الكلام في الوجه الثاني الذي قلنا ان فيه خطوتان وفرغنا من الخطوة الاولى التي ثبت بها ان القدرة في الخطاب المقيد شرعية

الخطوة الثانية ويراد بها اثبات ان القدرة في الخطاب المطلق عقلية بالنسبة الى خصوص الخطاب المشروط بالقدرة الشرعية لا مطلقاً لان هذا مما لم تنهض الادلة على اثباته

وحاصل هذه الخطوة هو التمسك باطلاق الخطاب المطلق لحال الاشتغال بالخطاب المشروط بالقدرة الشرعية لأن هذا الاطلاق سوف يثبت ان الخطاب المطلق يكون فعلياً خطاباً وملاكاً في حال الاشتغال بالواجب المشروط ومن الواضح ان حال الاشتغال بالواجب المشروط هو حال العجز عن الخطاب المطلق

والتمسك باطلاق الخطاب المطلق يأتي عليه الاشكال السابق وانه من باب التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لمخصصه

وجوابه صحيح ان المخصص الارتكازي اللبي المتقدم يقيد كل خطاب حتى هذا الخطاب المطلق لكن هذا التقييد اللبي الارتكازي يختص بما اذا كان الواجب الآخر المشروط في محل الكلام ملاكه فعلياً حتى في حال الاشتغال بالخطاب المطلق فحينئذ يحكم العقل بأن الخطاب المطلق مقيد بالقيد اللبي الارتكازي

اذن مسألة تقييد الخطاب بحكم العقل بعدم الاشتغال بما لا يقل عنه اهمية انما تأتي عندما يكون ذلك الشيء المقابل له ملاك فعلي حتى في حالة الاشتغال بالخطاب المطلق

فالتقييد بالقيد الارتكازي اللبي يختص بصورة ما اذا كان الخطاب المشروط له ملاك فعلي حتى في حالة الاشتغال بالخطاب المطلق فحينئذ تأتي مسألة التقييد فاذا كان ملاكه فعلياً وكان اهم فالخطاب المطلق مقيد بعدم الاشتغال به وكذا اذا كان مساوي بينما اذا كان اقل اهمية فلا يقيد به

واما اذا فرضنا ان الخطاب المشروط لا يكون له ملاك فعلي في حال الاشتغال بالخطاب المطلق كما هو المفروض في محل الكلام فالمفروض ان عدم الاشتغال بالواجب الاخر دخيل في الملاك فالقدرة قدرة شرعية

فاذا اشتغل بواجب آخر يكون هذا الخطاب المشروط لا ملاك له اصلاً فلا معنى لأن يقال بأن الخطاب المطلق مشروط بعدم الاشتغال بهذا اذا كان اهم او مساوي فهو لا ملاك له اصلاً فلا تأتي مسألة التقييد بالقيد الارتكازي اللبي

ولذا يندفع الاشكال السابق لانه في هذه الحالة عندما لا يكون ملاك الخطاب المشروط فعلياً في حال الاشتغال بالخطاب المطلق لا ياتي القيد اللبي الارتكازي

لان البرهان لم يقم على تقييد الخطاب بهذا القيد اللبي الارتكازي الا في حالة ما اذا كان الخطاب المشروط فعلي الملاك حتى في حالة الاشتغال بالخطاب المطلق

فيصح التمسك باطلاق الخطاب المطلق لاثبات فعليته خطاباً وملاكاً حتى في حال الاشتغال بالخطاب المشروط وهذا معناه ان القدرة فيه عقلية

لأن ملاكه فعلي حتى في حال العجز عن امتثاله فهذا يعني ان القدرة فيه عقلية وليست دخيلة في الملاك، فالقدرة عقلية بالقياس الى الخطاب المشروط بالقدرة الشرعية

نعم بالقياس الى الخطاب المشروط بالقدرة العقلية لم يقم برهان على ان القدرة فيه عقلية فقد تكون عقلية وقد تكون شرعية

فاذا ثبت بهاتين الخطوتين ان القدرة في الخطاب المقيد بعدم الاشتغال بواجب اخر شرعية وان القدرة في الواجب المطلق عقلية بالاضافة الى الخطاب المشروط بالقدرة الشرعية فهذا يكفي في تقديم الخطاب المطلق على الخطاب المشروط بالورود لان دليل الخطاب المطلق يكون رافعا لموضوع دليل الخطاب المشروط فيثبت هذا التقديم

الى هنا يتم الكلام عن المرجح الثالث

وخلاصة ما وصلنا اليه انه اذا كان المراد بالقدرة المأخوذة في لسان دليل احدهما هو عدم المانع التكويني والشرعي والمراد بالمانع الشرعي هو الامر بضده فيثبت تقديم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية لان المانع الشرعي لا يتوقف على الاشتغال بالواجب الاخر بل يكفي فيه الامر بالاشتغال بالضد فمجرد الامر بالضد الواجب يكون مانعاً من التكليف المشروط والمفروض ان المشروط مقيد بعدم المانع الشرعي فمع وجود المانع يرتفع موضوع التكليف المشروط فيتقدم عليه بالورود

واما اذا كان المراد بالقدرة القدرة التكوينية فحينئذ لا وجه للترجيح لانه لافرق بين الخطابين في ان كل واحد منهما مشروط بالقدرة التكوينية غاية الفرق بينهما ان القدرة في الخطاب المشروط دخيلة في ملاكه دون الخطاب المطلق وهذا لا يقتضي ترجيح احدهما على الاخر لان كل منهما ملاكه فعلي فيكون الاشتغال بكل منهما مفوتاً لملاك فعلي في الاخر

اما فعلية ملاك الواجب المطلق فالمفروض ان القدرة فيه ليست دخيلة في الملاك

واما في الواجب المشروط فالملاك فيه فعلي لتحقق شرطه فان القدرة التكوينية بحسب الفرض حاصلة

ودخلنا في بحث الاستظهار وانه هل يمكن ان نستظهر ان القدرة المأخوذة في لسان الدليل هل هي عقلية او شرعية وتعرضنا الى البحث عن مقتضى القاعدة عند الشك في نوع القدرة وتكلمنا عن مقتضى الاصل العملي وكان فيه فروض ثلاثة وفي كل فرض صور عديدة

وثانيا بحثنا عن مقتضى اطلاق الدليلين الدالين على الحكمين وقلنا اذا كان قيد القدرة مأخوذاً في لسان احد الدليلين ولم يؤخذ في الاخر قلنا ان المشهور رجح الخطاب المطلق على الخطاب الذي اخذ في لسان دليله قيد القدرة

واستدل للترجيح بوجهين وكان الوجه الثاني هو دعوى ان القدرة في الخطاب المطلق عقلية وانها في الخطاب المشروط شرعية وقلنا ان هذا الوجه فيه دعويان

الدعوى الاولى ان القدرة في الخطاب المطلق عقلية وانها في الخطاب المشروط شرعية

الدعوى الثانية انه عندما يقع التزاحم بين خطاب مشروط بالقدرة العقلية والاخر مشروط بالقدرة الشرعية يقدم المشروط بالقدرة العقلية

اما الدعوى الاولى فذكرنا كيفية استظهار ان القدرة في الخطاب المطلق عقلية وذكرنا لذلك تقريبين لم يتما

واما ان القدرة في الخطاب المشروط شرعية فذكرنا لذلك تقريبان الاول لم يتم والثاني كانت فيه ملاحظة انه يتم لو لم تكن هناك نكتة اخرى تقتضى هذا التقييد واخذ القدرة في لسان الدليل

بالنسبة للدعوى الثانية قلنا بان تقديم ما كانت القدرة فيه عقلية على ما كانت القدرة فيه شرعية لا يتم اذا كان الماخوذ هو عنوان القدرة والاستطاعة والحاصل في الادلة هو هذا عادة فان الخطابات المقيدة تكون مقيدة بعنوان القدرة بعد استبعاد ان يكون المأخوذ هو عنوان عدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه اهمية لان المخاطب العرفي لا يخاطب بذلك فكيف يعرف ان هذا اقل اهمية او لا

فان كان الماخوذ هو عنوان القدرة والاستطاعة فلا يتم الترجيح للخطاب المطلق على المشروط حتى اذا كانت القدرة في الخطاب المطلق عقلية وفي الخطاب المشروط شرعية لان الملاك في كل منهما يكون فعليا كما تقدم

نعم يتم هذا الترجيح اذا كان الماخوذ في لسان احد الدليلين هو عدم الاشتغال بضد واجب وذكرنا لذلك تقريبين وهما تامان على الظاهر

المرجح الرابع: ترجبح الاسبق زماناً

قيل اذا كان احد الواجبين سابقاً على الاخر في الزمان بان يكون ظرف امتثاله متقدماً على ظرف امتثال الاخر كما لو نذر ان يصوم يوم الخميس ويوم الجمعة وعجز عن الاتيان بهما معاً

فقالوا انه يتقدم الاسبق زماناً وهذا له وجوه متعددة

الاول: ما ذكره السيد الخوئي (قده) من ان المكلف اذا جاء بالاسبق زماناً يكون عاجزاً عن الاخر فينتفي التكليف به باعتبار انتفاء القدرة، بينما لو ترك الاول وحفظ القدرة للثاني فلا يكون معذوراً في تركه لانه ليس عاجزاً عنه في ظرفه