الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/02/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/مرجحات باب التزاحم

ذكرنا باننا تارة نفترض ان المأخوذ في الخطاب الذي اخذت القدرة في لسان دليله هو عنوان القدرة والاستطاعة، واخرى نفترض ان يؤخذ في الخطاب نفس المقيد اللبي الارتكازي كأن يقول افعل كذا إن لم تشتغل بضد واجب لا يقل عنه أهمية

وثالثة نفترض أن يؤخذ في لسان الدليل عدم الاشتغال بضد واجب، كأن يقول حج إن لم تشتغل بواجب آخر

وقلنا بأن الفرض الثاني غير مقبول وغير عرفي باعتبار ان المخاطب بهذا الخطاب هو الانسان العرفي وهو لا يستطيع ان يميز ويحدد ما يكون اهم او مساوي او اقل اهمية بين الواجبات فلا بد من استبعاد هذا الفرض

واما الفرض الاول فقلنا بان هذا لوحده لا يقتضي ترجيح الخطاب المطلق على الخطاب المشروط بعنوان الاستطاعة فحتى اذا قلنا بان القدرة في الخطاب المطلق عقلية وليست دخيلة في الملاك وانها في الخطاب المشروط شرعية بمعنى انها دخيلة في الملاك

فان القيد في الخطاب المشروط ظاهر في القدرة التكوينية، لا القدرة بمعنى عدم الاشتغال بضد واجب وامثاله لانه لا يعبر عن عدم الاشتغال بضد واجب وامثاله بالاستطاعة

والفرق بينهما ان القدرة التكوينية في الخطاب المطلق ليست دخيلة في الملاك بينما تكون دخيلة في ملاك الخطاب المشروط

وحينئذ لا وجه للتقديم باعتبار ان الملاك في كل منهما يكون فعلياً، اما الخطاب المطلق فواضح باعتبار ان القدرة ليست دخيلة في ملاكه، واما الخطاب المشروط فان القدرة وان كانت دخيلة في الملاك لكنها موجودة لان المراد بها القدرة التكوينية والمفروض ان المكلف قادر على الفعل بحسب الفرض

واذا كان الملاك فيهما فعلياً فالواجبان يتساويان في ان الاشتغال بكل منهما يكون مفوتاً لملاك فعلي في الآخر وفي هذه الحالة لا موجب لترجيح احدهما على الآخر

واما اذا فرضنا بأن القدرة المأخوذة في لسان الدليل هو عنوان عدم الاشتغال بواجب آخر، فهذا فرض معقول فمن المعقول ان يخاطب الانسان العرفي بانه إن لم تشتغل بواجب آخر فافعل كذا

وفي هذه الحالة فالصحيح هو ان الخطاب المطلق يتقدم على الخطاب المشروط ويثبت ترجيح الواجب المطلق على الواجب المشروط ويستدل لذلك بوجهين:

الوجه الاول: أن نستظهر من الدليل ان كل واجب آخر يتقدم على الواجب المشروط اذا وقع التزاحم بينهما، لا ان ما يفهم من الدليل ان الواجب المشروط لا يتقدم على المطلق لان هذا يجتمع مع القول بالتخيير بينهما، ونستظهر هذا المعنى من اطلاق القيد

الوجه الثاني: ويراد به اثبات ان القدرة بمعنى عدم الاشتغال بواجب آخر في الخطاب المشروط شرعية بمعنى انها دخيلة في الملاك، واثبات ان القدرة في الخطاب المطلق عقلية بمعنى انها ليست دخيلة في الملاك لكن لا مطلقاً وانما هي كذلك بالقياس الى الواجب المشروط فاذا ثبت هذان الامران يثبت تقديم الواجب المطلق على الواجب المشروط لأن المكلف عندما يشتغل بالواجب المطلق سوف يكون رافعاً لموضوع الواجب الآخر لانه يجعل الواجب المشروط بلا ملاك فيتقدم الواجب المطلق على المشروط بالورود

اما اثبات ان القدرة في الخطاب المشروط شرعية، فإن تقييد الخطاب بعدم الاشتغال بواجب آخر له ظهور في ان اي واجب آخر لا يكون مزاحماً له لأن وجوب هذا التكليف بحسب الفرض مشروط بعدم الاشتغال بأي واجب آخر فاذا اشتغل المكلف باي واجب آخر فهذا التكليف لا يكون مزاحماً له

وهذا المعنى لا يكاد يتحقق الا اذا فرضنا ان القدرة في الخطاب المشروط شرعية، باعتبار انها لو كانت عقلية بحيث يكون الاشتغال بواجب اخر موجباً لتفويت ملاك فعلي في الخطاب المشروط فلماذا قيد هذا الخطاب بعدم الاشتغال بواجب آخر بعد فرض ان القدرة في كل منهما عقلية فإنهما يتساويان في ان الاشتغال بكل واحد منهما يوجب تفويت ملاك فعلي في الآخر فلم قيد هذا دون الآخر، ولماذا ان احد الواجبين لا يزاحمه الاشتغال بواجب آخر فكل منهما يزاحم الآخر

فالقدرة في الخطاب المشروط ليست عقلية بل هي شرعية دخيلة في الملاك، لانه لو افترضنا ان القدرة فيه عقلية لما كان هناك وجه لتقييد هذا الخطاب بهذا القيد ولا وجه لما قلناه من ان الاشتغال باي واجب آخر لا يكون التكليف المشروط مزاحم له

واذا كانت القدرة شرعية فهي دخيلة في الملاك وهذا يعني ان الاشتغال باي واجب آخر يجعل الفعل في الواجب المشروط بلا ملاك وحينئذ لا يكون الاشتغال بالواجب المطلق مفوت لملاك فعلي بخلاف الاشتغال بالواجب المشروط فانه مفوت لملاك فعلي

نعم لو قلنا بان هذه قضية خارجية تكفل المولى بها فالمولى لاحظ ملاك الواجب المشروط ولاحظ ملاك الواجبات الاخرى فوجدها اما مساوية لهذا او اهم منه واعتماداً على هذه الملاحظة قال بان هذا يجب عليك ان لم تشتغل باي واجب آخر وحينئذ لا يكون هناك مجال لاحتمال ان هذا اهم من ذاك

وجوابه ان كون القضية خارجية خلاف الظاهر بل الظاهر من التقييد انه اخذ على نهج القضية الحقيقية