الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/مرجحات باب التزاحم

كان الكلام في حالات الشك في ان القدرة المأخوذة في الخطاب هل هي قدرة عقلية او قدرة شرعية وبعبارة اخرى هل هي قدرة دخيلة في الملاك او لا

وقلنا بان الكلام يقع في مقامين الاول عن مقتضى الاصول العملية في حالات الشك المذكورة

المقام الثاني: في مقتضى اطلاق الدليلين الدالين على الحكمين في حالات الشك المتقدمة، وتكلمنا عن المقام الاول

واما المقام الثاني في تحديد مقتضى اطلاق دليلي الحكمين،

والكلام يقع فيما اذا فرض أخذ القدرة في لسان أحد الدليلين دون الآخر فحينئذ يكون ما اخذت فيه القدرة مقيداً بالقدرة وما لم تؤخذ فيه القدرة مطلقا ًكما اذا فرضنا كان عنده ماء قليل ووجب عليه الوضوء ووجب عليه انقاذ العطشان من التلف وكان الماء لا يكفيه لكل منهما مع افتراض ان خطاب الوضوء مقيد بالقدرة، فالكلام في هذه الحالة

واما اذا فرضنا ان القدرة اخذت في لسان كلا الدليلين او لم تؤخذ في شيء من الخطابين فهذه الحالات خارجة عن محل الكلام لأنه لا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر باعتبار تساويهما بالتقييد والاطلاق

فالكلام فيما اذا كان احد الخطابين مقيد بالقدرة والآخر مطلق من هذه الناحية والمعروف بينهم في هذه الحالة هو تقديم الخطاب المطلق على الخطاب المقيد بالقدرة بمعنى أن المكلف يجب عليه انقاذ العطشان من التلف وترك امتثال خطاب الوضوء المقيد بالقدرة بقطع النظر عن الاهمية

وهذا التقديم عند التزاحم يستدل له بوجهين:

الوجه الاول: دعوى ان القدرة المأخوذة في لسان أحد الدليلين ظاهرة عرفاً في عدم المانع عقلاً وشرعاً ويراد بالمانع الشرعي الأمر بالخلاف فيكون الخطاب المأخوذ فيه القدرة مقيداً بعدم الأمر بالخلاف، فاذا امره الشارع بالخلاف يصبح غير قادر على الفعل شرعاً

فاذا فسرنا القدرة بعدم المانع عقلاً وشرعاً وكان المقصود بالمانع الشرعي هو الامر بالخلاف، والعرف لا يميز بين المانع التكويني والمانع الشرعي فالعرف يرى المكلف عاجزاً اذا كان مانع شرعي كما يراه عاجزاً اذا وجد مانع تكويني

فحينئذ يقال لاتمام هذا الوجه ان مقتضى اطلاق دليل الحكم غير المقيد هو فعلية الحكم واذا كان الحكم فيه فعلياً يكون هو امراً بالخلاف والامر بالخلاف يكون رافعاً لموضوع الخطاب المقيد بالقدرة فيكون مقدماً عليه بالورود

والمشكلة في هذا الوجه في اثبات الاستظهار، فمن قال ان القدرة المأخوذة في احد الخطابين ظاهرة عرفاً في عدم المانع عقلاً وشرعاً فانه لا يفهم منه أكثر من القدرة التكوينية في مقابل العجز التكويني واكثر من هذا بحاجة الى بيان، فالجواب هو منع هذا الظهور بل دعوى أن الصحيح بأن القدرة بدون فرض وجود قرائن لها ظهور اولي في القدرة التكوينية في مقابل العجز التكويني فلا يفهم منها الا ذلك

واذا فرضنا ان المراد بالقدرة المأخوذة في لسان أحد الدليلين القدرة التكوينية فحينئذ لا فرق بينه وبين الخطاب المطلق فكل منهما مقيد بالقدرة التكوينية غاية الأمر ان الخطاب المطلق مقيد بها لباً فاذا فرضنا ان الاشتغال بالخطاب المطلق يوجب العجز التكويني عن الخطاب المقيد كذلك الاشتغال بالخطاب المقيد يوجب العجز عن امتثال الخطاب المطلق

فاذا كان تقديم الخطاب المطلق على الخطاب المشروط مستنداً الى هذا الوجه فهذا الوجه غير تام لأنه مبني على تفسير القدرة المأخوذة في أحد الدليلين بعدم المنع عقلاً وشرعاً وهذا التفسير غير مقبول

الوجه الثاني: هو دعوى أن القدرة المأخوذة في الخطاب المطلق عقلية والقدرة المأخوذة في الخطاب المشروط شرعية، واذا ثبت هذا تأتي دعوى انه يقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية، فينتج تقديم الخطاب المطلق على الخطاب المشروط

وهذا الوجه فيه وعويان:

الدعوى الاولى: هي دعوى ان القدرة في الخطاب المطلق عقلية وانها في الخطاب المشروط شرعية

الدعوى الثانية: ان التزاحم اذا حصل بين خطابين احدهما مشروط بالقدرة العقلية والآخر مشروط بالقدرة الشرعية يتقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية

اما الدعوة الاولى فالكلام فيها يقع اولاً في كيفية استظهار أن القدرة في الخطاب المطلق عقلية وثانياً في كيفية استظهار أن القدرة في الخطاب المقيد بالقدرة شرعية

فالكلام يقع في مقامين

المقام الاول: في كيفية استظهار ان القدرة في الخطاب المطلق عقلية بمعنى انها ليست دخيلة في الملاك بمعنى ان الملاك يبقى موجوداً حتى مع العجز

وهذا الاستظهار له تقريبان:

التقريب الاول: بأن يقال بأن الخطاب المطلق له مدلولان مطابقي والتزامي ومدلوله المطابقي هو التكليف وله مدلول التزامي وهو ثبوت الملاك في المتعلق باعتبار ما ثبت من ان الاحكام تابعة للملاكات فاذا فرضنا ان المدلول المطابقي للخطاب كان مقيداً بالقدرة لباً بملاك استحالة تكليف العاجز فتقييد المدلول المطابقي بالقدرة لا يلازم تقييد المدلول الالتزامي للخطاب بالقدرة وهذا معناه أن الملاك يبقى على اطلاقه اذ لا موجب لتقييد الملاك بحال القدرة فحينئذ يمكن التمسك باطلاق المدلول الالتزامي في حال العجز حتى اذا سقط المدلول المطابقي عن الحجية في حال العجز، فسقوط المدلول المطابقي في حال العجز لا يعني سقوط المدلول الالتزامي في حال العجز

فهذا يعني ان القدرة ليست دخيلة في الملاك ولذا كان الملاك فعلياً حتى مع انتفاء القدرة وهذا يعني أن القدرة عقلية

وهذا التقريب يلاحظ عليه

انه مبني على القول بعدم تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الحجية وان كانت تابعة لها في اصل وجودها، واما اذا قلنا بالتبعية فهذا التقريب لا يكون تاماً ففي حال العجز حيث تسقط الدلالة المطابقية عن الحجية تسقط الدلالة الالتزامية عنها فلا يكون هذا التقريب تاماً