الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/02/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/مرجحات باب التزاحم

كان الكلام في الفرض الثالث الذي فرض فيه التردد في القدرة المأخوذة بين ان تكون قدرة شرعية بمعنى عدم الاشتغال بواجب اخر وبين ان تكون بمعنى عدم الامر بالاخر

وقلنا ان فيه صور ثلاثة

الصورة الاولى: يكون التردد فيها في كلا الخطابين ففي كل منهما يحتمل ان تكون القدرة الماخوذة فيه عقلية او شرعية بالمعنى الاول او شرعية بالمعنى الثاني وقلنا هنا تجري البراءة لنفي وجوب كل واحد من التكليفين المتزاحمين للشك في وجوبه سواء اشتغل بالآخر او لم يشتغل به

اما اذا اشتغل بالآخر فلأنه على تقدير ان تكون القدرة المأخوذة في الاول شرعية بمعنى عدم الاشتغال بالآخر فلا شك في أن الاشتغال بالآخر يرتفع معه وجوب الاول وحيث اننا نحتمل انه مشروط بهذه القدرة فنشك في وجوبه

فنشك في الاول عند الاشتغال بالثاني كما اننا نشك في وجوب الثاني عند الاشتغال بالاول فلا علم بوجوبه عند الاشتغال بالاول،

بل لا علم بوجوبه حتى على اخذ القدرة الشرعية بالمعنى الثاني لاننا دائما نحتمل الامر بالآخر فلا علم بوجوب الاول لاحتمال الامر بالثاني كما لا علم بوجوب الثاني لاحتمال الامر بالاول

اما على تقدير عدم الاشتغال بالآخر فالأمر يكون اوضح فانه وان كان يعلم بوجوب الاول لتحقق شرط وجوبه على تقدير ان تكون القدرة فيه عقلية او شرعية بمعنى عدم الاشتغال بالآخر

ولكن اذا كانت القدرة فيه شرعية بمعنى عدم الأمر بالآخر فلا يمكن القول بأن وجوبه معلوم لأننا لا نحرز شرط وجوبه لأن شرط وجوبه بحسب الفرض هو عدم الأمر بالآخر وهذا لا نحرزه لأننا دائماً نحتمل الأمر بالآخر فيكون وجوبه مشكوكاً

فوجوب كل واحد منهما مشكوك لا علم به سواء اشتغل بالآخر او لم يشتغل به فنجري البراءة لنفي وجوب كل منهما ويترتب على ذلك جواز تركهما معاً اذا لم نفرض وجود علم اجمالي بثبوت احد الحكمين

الصورة الثانية: أن نحرز كون القدرة المأخوذة في أحدهما المعين شرعية اما بمعنى عدم الاشتغال بالآخر او بمعنى عدم الأمر بالآخر والتردد بكون القدرة في الثاني عقلية او شرعية بالمعنى الاول او شرعية بالمعنى الثاني

ونتكلم اولاً في ما اذا فرضنا اننا نحرز كون القدرة في الاول شرعية بمعنى عدم الاشتغال بالآخر فهنا لا اشكال في اننا نعلم بانتفاء وجوب الاول اذا اشتغل بالثاني واما عند الاشتغال بالاول فلا علم بانتفاء وجوب الثاني لإحتمال أن تكون القدرة المأخوذة في الثاني عقلية ومعها لا يرتفع ملاكاً وخطاباً عند الاشتغال بالاول لأن القدرة العقلية ليست دخيلة في الملاك، نعم اذا كانت القدرة في الثاني شرعية بمعنى عدم الاشتغال بالآخر فمع الاشتغال بالآخر يرتفع وجوبه ولكننا لا نحرز ذلك

فبإمكاننا أن نجري البراءة لنفي وجوب الثاني عند الاشتغال بالاول، ولكن لا يمكن أن نجري البراءة لنفي وجوب الاول عند الاشتغال بالثاني لانه عند الاشتغال بالثاني نعلم بانتفاء الاول

والنتيجة اننا نعلم بانتفاء وجوب كل واحد منهما عند الاشتغال بالآخر، فنحن نعلم بانتفاء الاول عند الاشتغال بالثاني واما وجوب الثاني فننفيه بالاصل، لان ملاك الثاني يشك في فعليته عند الاشتغال بالاول لاحتمال ان تكون القدرة فيه عقلية لانها لو كانت عقلية فملاكه ثابت وان كانت شرعية فوجوبه يرتفع فننفيه بالبراة، ونتيجة ذلك هو التخيير فلا يجوز له تركهما بل يجب عليه الاتيان بأحدهما تخييراً

واما اذا فرضنا أن القدرة المعلوم اخذها في احدهما المعين شرعية بمعنى عدم الامر بالخلاف فهنا نفس الكلام من حيث جريان البراءة الا ان النتيجة تختلف فإن النتيجة هنا جواز تركهما معاً

باعتبار اننا اذا فرضنا ان الاول مشروط بعدم الامر بالخلاف فيكون وجوب كل واحد منهما مشكوك اما الاول فلانه مشروط بعدم الامر بالخلاف ونحن لا نحرز شرط وجوبه لاننا نحتمل الامر بالخلاف دائماً واما الثاني فوجوبه مشكوك لاحتمال ان يكون مشروطاً بالقدرة الشرعية بمعنى عدم الامر بالخلاف فعلى هذا التقدير يكون وجوبه مشروطاً بعدم الامر بالاول وحيث اننا لا نحرز عدم الامر بالاول يكون وجوب الثاني مشكوكاً

فيكون وجوب كل منهما مشكوكاً مطلقاً سواء اشتغل بالآخر او لم يشتغل به

فتجري البراءة لنفي وجوب كل منهما من دون فرق بين ان يشتغل بالآخر او لا يشتغل به ويترتب على ذلك جواز تركهما معاً،

الصورة الثالثة: ان نحرز ان القدرة المأخوذة في احدهما المعين عقلية والتردد في الثاني فهنا تأتي مسألة الاحتياط بالاتيان بالمشروط بالقدرة العقلية باعتبار ما تقدم من اننا نعلم بأن ملاك الواجب المشروط بالقدرة العقلية تام وفعلي حتى مع الاشتغال بالآخر لأن القدرة فيه عقلية فملاكه فعلي حتى مع العجز عن الاتيان به

فلا يجوز عقلاً تفويته بتركه والاتيان بالآخر لأن ذلك تفويت لملاك فعلي منجز على المكلف بخلاف العكس فإنه اذا جاء بالاول وترك الثاني فلا يلزم من ذلك تفويت ملاك فعلي تام لاننا لا نعلم بفعلية ملاك الثاني لاحتمال أن يكون مشروطاً بالقدرة الشرعية سواء بالمعنى الاول او الثاني اما بالمعنى الاول فمع الاتيان بالاول فلا ملاك في الثاني لانه مع العجز عن الثاني لا ملاك في الثاني واما على المعنى الثاني فلا يحرز وجود الملاك لاننا نحتمل الامر بالاول

ففعلية الملاك في الثاني لا تكون محرزة الا على تقدير ان تكون القدرة فيه عقلية كالاول ولكن هذا احتمال وفي قباله احتمالان اخران بمعنى ان تكون القدرة شرعية بالمعنى الاول او الثاني وعلى كلا التقديرين لا نحرز ملاك الثاني عند الاشتغال بالاول

والنتيجة ان الاتيان بالاول وترك الثاني لا يلزم منه تفويت ملاك فعلي محرز بينما الاتيان بالثاني وترك الاول يلزم منه تفويت ملاك فعلي والعقل في هذه الحالة يحكم بلزوم الاتيان بالاول وترك الثاني لاحراز الملاك الفعلي وعدم جواز الاتيان بالثاني وترك الاول لتفويت الملاك الفعلي