الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/02/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم/ مرجحات باب التزاحم

كان الكلام في بيان مقتضى القاعدة عند الشك في ان القدرة المعتبرة هل هي قدرة عقلية او شرعية

وقلنا بان البحث تارة يكون عن مقتضى الاصل العملي واخرى يكون عن مقتضى اطلاق دليلي الحكمين فهنا مقامان

المقام الاول: تحديد مقتضى الاصل العملي عند الشك في نوع القدرة

وتوجد عدة فروض يتحقق فيها الشك في أخذ القدرة الشرعية في الخطاب او انها ليس مأخوذة فيه

الفرض الاول: التردد في اخذ القدرة الشرعية ويكون المراد بالقدرة الشرعية القدرة التكوينية على الفعل مع عدم الاشتغال بواجب آخر

فالخطاب اذا كان مشروطا بالقدرة الشرعية فالمقصود هو القدرة التكوينية على الفعل وعدم صرفها في امتثال واجب اخر

فنحن نشك ان الخطاب هل هو مشروط بالقدرة الشرعية بهذا المعنى او انه مشروط بالقدرة التكوينية فقط

وهذا الفرض له صور اربعة

الصورة الاولى: ان نفترض التردد والشك في اخذ القدرة الشرعية في كلا الخطابين ومقتضى الاصل العملي في هذه الحالة هو البراءة واذا اجريناه فسوف نصل الى التخيير بين الواجبين

والوجه في اجراء البراءة التي نتيجتها التخيير ان المكلف يعلم بوجوب كل واحد من الواجبين عند عدم الاشتغال بالآخر

والسر فيه ان وجوب الاول عند عدم الاشتغال بالاخر معلوم لتحقق شرطه وهو عدم الاشتغال بالاخر اما اذا كان مشروط بالقدرة العقلية فوجوبه واضح لانه لا يعتبر فيها ازيد من القدرة على متعلقه وهو متحقق بحسب الفرض

وهكذا اذا كان مشروطا بالقدرة الشرعية فالمفروض انه قادر تكوينا على الفعل والمفروض انه لم يصرف القدرة على الاشتغال بالثاني ، ونفس هذا الكلام يطبق على الواجب الاخر

فنحن نعلم بوجوب كل واحد منهما عند عدم الاشتغال بالاخر

ولكن نشك في وجوب كل واحد منهما عند الاشتغال بالآخر لاحتمال ان تكون القدرة فيه شرعية لانه معها لا وجوب له عند الاشتغال بالاخر

والنتيجة اننا نعلم بوجوب كل منهما عند عدم الاشتغال بالاخر ونشك في وجوب كل منهما عند الاشتغال بالاخر

فيدخل المقام في الشك في اصل التكليف وهو مجرى البراءة وبعبارة اوضح ان الشك في سعة التكليف وضيقه ان التكليف بهذا الواجب هل يختص بصورة عدم الاشتغال بالاخر او ان وجوبه يشمل حتى صورة الاشتغال بالاخر فتجري البراءة لنفي وجوب الاول عند الاشتغال بالاخر ونفي وجوب الاخر عند الاشتغال بالاول فيختص وجوب كل واحد منهما بصورة عدم الاشتغال بالاخر

والنتيجة ان وجوب كل واحد منهما ثابت عندما لم يشتغل بالاخر وهذا نتيجته التخيير فيكون نظير ما لو كان كل منهما مشروط بالقدرة الشرعية فان الاشتغال باحدهما يرفع موضوع الاخر والمكلف يتخير بينهما

الصورة الثانية: ان يفترض العلم بان احدهما المعين مشروط بالقدرة الشرعية والشك في ان القدرة الماخوذة في الثاني هل هي شرعية او لا ففي هذه الحالة فالمكلف يعلم بانتفاء الوجوب في الاول المشروط بالقدرة الشرعية اذا اشتغل بالثاني ويشك في انتفاء وجوب الثاني اذا اشتغل بالاول لاحتمال ان تكون القدرة في الثاني عقلية او شرعية

فان كانت القدرة عقلية فوجوبه وملاكه تام وثابت في حد نفسه واما اذا كانت القدرة شرعية يرتفع وجوبه لانها تعني ان المأخوذ في وجوبه عدم الاشتغال بواجب اخر، فنحن نشك في وجوب الثاني عند الاشتغال بالاول ، لان الثاني ان كان مشروط بالقدرة الشرعية فينتفي وجوبه عند الاشتغال بالاول والا يكون وجوبه ثابتاً

وهذا الشك تجري فيه البراءة لنفي الوجوب عن الثاني عند الاشتغال بالاول بعد ان فرضنا ان الاول مشروط بالقدرة الشرعية لان هذا شك في سعة التكليف وضيقه الراجع الى الشك في اصل التكليف

فوجوب الثاني قطعا ثابت في حالة عدم الاشتغال بالاول لكن نشك في ثبوته عند الاشتغال بالاول

ففي هذه الصورة يمكن ان نقول انه عند الاشتغال بكل واحد منهما ينتفي الوجوب عن الاخر غاية الامر ان انتفاء التكليف عن الثاني عند الاشتغال بالاول يثبت بالاصل بخلاف انتفاء التكليف عن الاول عند الاشتغال بالثاني فهو يثبت بالعلم

ونتيجته هي التخيير لأن معناه ان وجوب كل منهما مشروط بعدم الاشتغال بالآخر فيختص وجوب كل واحد منهما بعدم الاشتغال بالآخر، ولا يؤثر فيه كون ارتفاع الوجوب بالاصل او بالعلم فيتخير المكلف بينهما

الصورة الثالثة: ان نعلم بأن القدرة في احدهما المعين عقلية وانما يشك في الآخر وهل القدرة فيه شرعية او عقلية

وهنا يوجد احتمالان:

الاول: ان يقال بان هذا مجرى الاحتياط لا البراءة بمعنى الزام المكلف بان ياتي بالواجب الاول الذي نعلم بكونه مشروط بالقدرة العقلية

باعتبار ان فرض هذه الصورة يستلزم العلم بان ملاك الواجب الاول فعلي وتام حتى اذا اشتغل بالثاني واصبح عاجزاً عن الاتيان بالاول لان المفروض ان الاول مشروط بالقدرة العقلية والمفروض انها ليست دخيلة في الملاك فيكون ملاكه تام حتى اذا اشتغل بالثاني واصبح عاجزا عن الاتيان بالاول

فنحن نعلم بان ملاك الواجب المشروط بالقدرة العقلية تام وفعلي حتى اذا اشتغل بالواجب الآخر وعجز عن الاتيان بالاول لعدم قدرته على الجمع بينهما بحسب الفرض

واذا كان ملاك الاول تام وفعلي فالعقل يحكم بعدم جواز تفويت الملاك التام الفعلي بالاتيان بالاخر، والاتيان بالثاني يستلزم تفويت الملاك الملزم الفعلي في الاول والعقل يحكم بعدم جوازه

بخلاف العكس فان الاتيان بالاول لا يستلزم تفويت ملاك فعلي في الثاني باعتبار اننا لا نعلم بفعلية الملاك في الثاني لاننا نحتمل ان يكون مشروطاً بالقدرة الشرعية وهي دخيلة في الملاك ومع الاشتغال بالاول يصبح الثاني بلا ملاك وعلى هذا التقدير لا يكون الملاك في الثاني فعلياً

فالمكلف بين امرين بين ان يأتي بالثاني فيلزم من ذلك تفويت ملاك فعلي ملزم وبين ان يأتي بالاول ولا يلزم من ذلك تفويت ملاك معلوم ملزم فعلي والعقل يحكم بلزوم الاتيان بالاول وترجيحه على الثاني لئلا يلزم تفويت الملاك الملزم المعلوم الفعلي وهو قبيح بنظر العقل

فلا بد من ترجيح الاول على الثاني وهذا هو معنى الاحتياط فيحتاط بأن يأتي بالاول فراراً عن تفويت الملاك الفعلي الملزم لو اتى بالثاني