42/02/02
الموضوع: التزاحم
ذكرنا الوجهين اللذين ذكرهما العلمان الشيخ النائيني والسيد الخوئي (قدهما) لترجيح الواجب المشروط بالقدرة العقلية على الواجب المشروط بالقدرة الشرعية
وكانت هناك ملاحظة وهي ان هذين الوجهين يخرجان الكلام عن باب التزاحم
والكلام السابق يتم بناءً على تفسير القدرة الشرعية بما يساوق عدم المانع العقلي والشرعي، ومن الواضح ان المانع الشرعي لا يتوقف على الاشتغال بضد واجب بل يكفي فيه نفس الامر بضد واجب فهو مانع عن التكليف بما يزاحمه وان لم يشتغل المكلف بامتثاله
فالوجهان السابقان يجريان اذا فسرنا القدرة الشرعية بعدم اشتغال الذمة بالامر بالخلاف وان لم يشتغل بذلك الامر
باعتبار ان نفس وجود الامر بالواجب المشروط بالقدرة العقلية يمنع من تحقق موضوع الواجب المشروط بالقدرة الشرعية وان لم يشتغل بامتثاله لان موضوعه بحسب الفرض هو القدرة عليه عقلاً وشرعاً ومع الامر بالواجب الاخر لا يكون المكلف قادراً على الواجب المشروط بالقدرة الشرعية فينتفي موضوع التكليف فالواجب المشروط بالقدرة الشرعية لا تكليف به ولا ملاك فيه فكيف يزاحم الاخر
واما اذا فسرنا القدرة الشرعية بالقدرة التكوينية على الفعل فقط في مقابل العجز التكويني -وحينئذ يكون الفرق بين القدرة الشرعية والقدرة العقلية هو ان القدرة التكوينية ان كانت دخيلة في الملاك فهي قدرة شرعية وان لم تكن دخيلة في الملاك وانما اعتبرت في التكليف بملاك قبح تكليف العاجز فالقدرة عقلية- وهي موجودة في كلا الطرفين بالفرض فكل من التكليفين مقدور للمكلف في حد نفسه فحينئذ لا مجال لكلا الوجهين المتقدمين عن المحقق النائيني والسيد الخوئي (قدهما) بمعنى انه لا وجه حينئذ لترجيح المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية
باعتبار انه على هذا التفسير فاحد الواجبين مشروط بالقدرة العقلية اي انه مشروط بالقدرة التكوينية لكنها ليست دخيلة في الملاك بل الملاك ثابت حتى مع العجز التكويني والواجب الاخر مشروط بالقدرة الشرعية بمعنى انه مشروط بالقدرة التكوينية ولكنها دخيلة في ملاكه بمعنى انه مع انتفاء القدرة التكوينية ينتفي الملاك
في هذه الحالة يكون ملاك كلا الواجبين فعلياً ويكون التكليف بكل منهما فعليا خلافا لما قالاه من ان فعلية الملاك في الواجب المشروط بالقدرة العقلية يرفع الملاك في الواجب المشروط بالقدرة الشرعية ويرفع التكليف به ولذا قدموا الواجب المشروط بالقدرة العقلية على الواجب المشروط بالقدرة الشرعية لان الملاك فيه تام والتكليف به فعلي
بينما على هذا التفسير يكون الملاك والتكليف في كل منهما فعليا وتاما فلا وجه لترجيح احدهما على الاخر لان احدهما لا يرفع موضوع الاخر حتى يقدم عليه بل يكون كل منهما فعليا
اما ان الملاك فعلي فيهما فواضح لان الواجب المشروط بالقدرة العقلية ملاكه فعلي لان القدرة التكوينية ليست شرطاً في الملاك فحتى لو كان عاجزاً يكون الملاك فعلياً
واما الواجب المشروط بالقدرة الشرعية فانه وان كان مشروطاً بالقدرة التكوينية وهي دخيلة في الملاك لكن المفروض ان المكلف قادر تكويناً على الفعل فالشرط موجود ويكون الملاك فعلياً لأن الملاك انما ينتفي عند انتفاء القدرة
فالملاك في كل منهما فعلي ولا تكون فعلية الملاك في احدهما موجبة لانتفاء الملاك في الاخر
واما ان التكليف في كل منهما فعلي فواضح فان التكليف بالواجب المشروط بالقدرة العقلية فهو فعلي لانه لا يشترط فيه ازيد من قدرة المكلف على الفعل تكويناً وهو متحقق
واما الواجب المشروط بالقدرة الشرعية فالتكليف به فعلي باعتبار انه بعد فرض فعلية ملاكه وبعد فرض تحقق القدرة عليه تكويناً فلا مانع من كون التكليف به فعلياً
فالملاك في كل منهما فعلي والتكليف في كل منهما فعليوبناء على ذلك لا وجه لجريان الوجهين المتقدمين باعتبار ان كل واحد من الوجهين مبني على ان فعلية الملاك في الواجب المشروط بالقدرة العقلية ترفع الملاك في الآخر -بحسب تعبير الميرزا- او ان فعلية التكليف في الواجب المشروط بالقدرة العقلية ترفع التكليف بالواجب الآخر اي تكون معجز مولوي عنه -بحسب تعبير السيد الخوئي-
ومن هنا يظهر ان ترجيح المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية انما يتم اذا فسرنا القدرة الشرعية بعدم اشتغال الذمة بالامر بالخلاف بحيث يكون الامر بالخلاف رافعاً لموضوع التكليف الآخر، واما اذا فسرناها بالقدرة التكوينية على الفعل فلا يتم هذان الوجهان
هذا ما يمكن ان يقال في هذا البحث الثبوتي
واما البحث الاثباتي حول استظهار ان القدرة الماخوذة في موضوع التكليف هي قدرة عقلية او قدرة شرعية، بمعنى ان القدرة التي لا اشكال في انها ماخوذة في موضوع كل تكليف هل هي دخيلة في الملاك بحيث لا ملاك مع العجز التكويني او لا
ونتطرق لهذا البحث من خلال البحث عن مقتضى القاعدة في المقامفعندما نفترض العلم بان هذا الواجب مشروط بالقدرة العقلية وهذا مشروط بالقدرة الشرعية فلا كلام، فنقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية اذا فسرنا القدرة الشرعية بالتفسير الاول
واما اذا شككنا في ان القدرة المأخوذة في التكليف هل هي شرعية او عقلية فما هو مقتضى القاعدة، وهذا البحث انما يفرض عندما نفترض عدم وجود دليل على تعيين احدهما وان القدرة عقلية او شرعية ووصلت النوبة الى الشك
والكلام تارة يكون عن تحديد مقتضى الاصل العملي واخرى يكون عن تحديد مقتضى اطلاق دليلي الحكمين