42/02/01
الموضوع: التزاحم
كان الكلام في المرجح الثالث وهو ترجيح المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعيةذكرنا الوجه الاول: لهذا التقديم وهو يبتني على تفسير القدرة الشرعية بانها القدرة الدخيلة في موضوع التكليف وملاكه بحيث ان التكليف والملاك لا يكونا فعليين مع عدمها
ويقابل ذلك القدرة العقلية ويفسرها بالقدرة التي لا تكون دخيلة في الملاك فالملاك ثابت حتى مع عدمها وانما هي معتبرة على أساس استحالة تكليف العاجز
وبناء على هذا التفسير فملاك الواجب المشروط بالقدرة العقلية تام وفعلي ولا قصور فيه لانه لا يتوقف سوى على القدرة عليه تكويناً والمفروض انها موجودة فيتحقق شرط التكليف الفعلي به فيكون التكليف به فعلياً فيكون ملاكه تاماً ولا قصور فيه، واذا كان الملاك تاماً فلا مانع من أن يكون وجويه فعلياً وحينئذ يكون هذا موجباً لعجز المكلف عن الاتيان بالواجب الآخر المشروط بالقدرة الشرعية
لان المفروض ان القدرة عقلاً وشرعاً دخيلة في ملاك الواجب المشروط بالقدرة الشرعية فالقدرة التكوينية والقدرة الشرعية كل منهما دخيلة في ملاك هذا الواجب بمعنى ان الملاك ينتفي بانتفاء احدهما فاذا كان المكلف غير قادر تكويناً على الفعل ينتفي الملاك وكذا اذا كان ممنوعاً منه شرعاً
فاذا كان المكلف عاجزاً شرعاً عن امتثال التكليف الواجب المشروط بالقدرة الشرعية فلا ملاك له لان القدرة مأخوذة في الملاك لأن فعلية التكليف المزاحم له توجب العجز عن امتثال الواجب المشروط بالقدرة الشرعية لأن امتثاله مخالفة للتكليف الفعلي
فيكون الواجب المشروط بالقدر الشرعية بلا ملاك مع فعلية التكليف بالواجب المشروط بالقدرة العقلية فكيف يزاحم ما كان فعلياً
وعلى هذا يتقدم الواجب المشروط بالقدرة العقلية على الواجب المشروط بالقدرة الشرعية وان كان المشروط بالقدرة الشرعية اهم منه لان المشروط بالقدرة الشرعية يرتفع موضوعه لان موضوعه القدرة على الامتثال فلا ملاكه تام ولا موضوعه متحقق
ويلاحظ عليه بقطع النظر عن تمامية تعليل التقديم بما ذكر
انه لو تم فهو يخرج المقام عن باب التزاحم لانه يشترط في باب التزاحم ان يكون موضوع كلا التكليفين تاماً حتى يتحقق التزاحم بينهما واما اذا كان موضوع احدهما ليس تاماً فلا يزاحم الآخر
لأن الواجب المزاحم المشروط بالقدرة العقلية اذا كان فعلياً فهو يوجب العجز عن الواجب الآخر المشروط بالقدرة الشرعية لأن الاشتغال بالواجب المشروط بالقدرة الشرعية مخالفة للتكليف الفعلي المشروط بالقدرة العقلية وهذا هو معنى العجز الشرعي وهذا يعني انتفاء موضوع التكليف المشروط بالقدرة الشرعية لأن موضوعه هو القادر عقلاً وشرعاً
فلا يتحقق تمامية الموضوع في كلا التكليفين حتى يدخل في باب التزاحم
وقد اجاب السيد الخوئي (قده) عن الوجه الاول بانه لا طريق لنا لادراك ملاكات الاحكام الا عن طريق نفس الاحكام فاذا وجد الحكم نحرز وجود الملاك في المتعلق
وفي المقام لا طريق لنا لاحراز ان الواجب المشروط بالقدرة العقلية واجد للملاك التام وهو مزاحم للواجب الاخر لان طريق احراز ملاكات الاحكام منحصر بنفس الاحكام فاذا ثبت الحكم في مورد يمكن استكشاف ملاك ذلك الحكم
والمفروض انه في مقام التزاحم بين الواجبين نحن لا نعرف ايهما هو الثابت وانما يراد استكشاف ان التكليف المشروط بالقدرة العقلية هو الثابت عن طريق استكشاف الملاك فهو يستكشف فعلية التكليف من الملاك
والسيد الخوئي يرى انه لا طريق لنا لاحراز الملاك الا عن طريق التكليف فمتى ما احرزنا التكليف بشيء يمكن ان نستكشف وجود الملاك وهذا الوجه يريد اثبات العكس، وعلى اساس هذا الاشكال ذكر وجهاً آخر للتقديم
الوجه الثاني: ان الواجب المشروط بالقدرة العقلية لا مانع من كون وجوبه فعلياً في مقام التزاحم مع الواجب الآخر لأن المفروض انه ليس مشروطاً بشيء الا بالقدرة التكوينية على الفعل وهي متحققة بحسب الفرض فلا مانع لأن يكون التكليف به فعلياً وهذا بخلاف الواجب المشروط بالقدرة الشرعية لأن هناك مانع يمنع من كون وجوبه فعلياً وهو فعلية وجوب الواجب المزاحم له المشروط بالقدرة العقلية لانه يلزم من الاتيان به مخالفة التكليف الفعلي للواجب المشروط بالقدرة العقلية
وهذا معناه ان المكلف يكون غير قادر على امتثال التكليف المشروط بالقدرة الشرعية شرعاً لأن المفروض ان القدرة الشرعية معتبرة فيه ومع انتفائها ينتفي التكليف
وهذا معناه تقديم الواجب المشروط بالقدرة العقلية على الواجب المشروط بالقدرة الشرعية
ولا مانع بأن يضيف انه بعد ثبوت فعلية التكليف بالواجب المشروط بالقدرة العقلية نستكشف الملاك فيه فمن التكليف استكشفنا الملاك وليس العكس، ومن هنا يحتمل أن يكون الوجه الاول الذي تقدم نقله عن المحقق النائيني (قده) يرجع الى ذلك بمعنى انه يريد ان يقول بأن الواجب المشروط بالقدرة العقلية ملاكه تام لأن التكليف به فعلي لأنه مشروط بالقدرة العقلية فقط وهي متحققة ونستكشف عدم الملاك في الواجب المشروط بالقدرة الشرعية من انتفاء فعلية التكليف به فيرجع الى ما ذكره السيد الخوئي (قده)
وعلى كل حال يلاحظ على ما ذكره ما تقدم من ان هذا الوجه اذا تم فهو يخرج المقام عن باب التزاحم لانه يشترط فيه تمامية موضوع كلا التكليفين حتى يصبح كلا التكليفين فعلياً في حد نفسه وبقطع النظر عن المزاحمة
واما اذا ارتفعت فعلية احدهما ولم يكن موضوعه تاماً فحينئذ لا يكون تزاحم بينهما.