الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

42/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم

كان الكلام في الوجه الثالث وهو محاولة لارجاع ترجيح ما ليس له بدل على ما له بدل الى الترجيح بقوة احتمال الاهمية بدعوى ان احتمال اهمية ما لا بدل له دائما اقوى من احتمال اهمية ما له بدل

وهذه الدعوى يستدل عليها بما تقدم من ان البدل دائما يستوفي جزءاً من ملاك المبدل وهذا معناه ان ما يفوت عند ترك الوضوء والاتيان ببدله هو جزء من ملاك الوضوء وما يبقى من الملاك يستوفيه المكلف عندما يأتي بالبدل بينما ما يفوت عند ترك الواجب الذي ليس له بدل هو الملاك التام لذلك الواجب

فالامر يدور بين تفويت ملاك تام للواجب الاخر وبين تفويت جزء من ملاك الوضوء ولا اشكال في ان تفويت جزء من الملاك التام اولى من تفويت الملاك التام

وحينئذ يقال بانه لا اشكال في ان تحصيل الملاك التام اهم من تحصيل جزء الملاك وهذا معناه ان احتمال الاهمية في ما لا بدل له اقوى من احتمال الاهمية في الواجب الآخر لانه يوجد احتمالان في صالح ترجيح ما لا بدل له وهما احتمال ان يكون هو الاهم واحتمال التساوي، وفرض التساوي يصب في صالح ترجيح ما لا بدل له لان الامر معه يدور بين تفويت ملاك تام وبين تفويت بعض ملاك تام ولا اشكال في انه يحكم بلزوم المحافظة على الملاك التام وهي لا تكون الا بالاتيان بما ليس له بدل، بينما يكون احتمالا واحدا في صالح ترجيح ما له بدل وهو ان يكون ما له بدل اهم

وهذا معنى ان احتمال الاهمية في ما لا بدل له اقوى من احتمال الاهمية في ما له بدل

ويلاحظ عليه ان هذا التقريب لاثبات كون الملاك الذي يفوت مما ليس له بدل عند تركه اهم من الملاك الذي يفوت مما له بدل عند تركه يتوقف على ما تقدم من ان كونه اهم بحاجة الى دليل ولا دليل على ذلك

فلعل ما يفوت عند ترك ما له بدل هو معظم الملاك وما يستوفيه البدل هو جزء قليل من الملاك وان هذا الفائت اهم مما يفوت من الملاك عند ترك الواجب الآخر ولا دافع لهذا الاحتمال من الادلة ولا تكفي ادلة البدلية العامة لنفي ذلك

فتشخيص ان ما يفوت من ملاك ما ليس له بدل عند تركه اهم مما يفوت من ملاك ما له بدل عند تركه بحاجة الى دليل وليس عليه دليل في المقام

ولذا فالاحسن الاستدلال على ذلك بما ذكره السيد الشهيد[1] (قده) وهو ان المفروض في محل الكلام وجود احتمال تساوي ملاك ما له بدل مع ملاك ما ليس له بدل وهناك احتمالان اخران متساويان وهو احتمال اهمية ما له بدل واحتمال اهمية ما ليس له بدل وبناء على احتمال التساوي بين الملاكين فاذا فرضنا ان المكلف اشتغل بما لا بدل له فحينئذ يكون المكلف عاجزاً عن الوضوء لأن الامر بالوضوء بحسب الفرض مقيد بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه اهمية والمفروض ان تطهير البدن من الخبث لا يقل اهمية عن الوضوء لافتراض التساوي وهكذا الامر بتطهير البدن من الخبث مقيد بعدم الاشتغال بالوضوء فيكون كل واحد منهما مقيد بعدم الاشتغال بالآخر فاذا اشتغل المكلف بالواجب الآخر اي التطهير من الخبث فهذا يعني انه لا أمر بالوضوء لأنه مقيد بحسب الفرض بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه اهمية فيكون الاشتغال بالواجب الآخر معجز مولوي عن الاتيان بالوضوء فيصبح المكلف عاجزاً عن الاتيان بالوضوء فتثبت بدلية البدل لانه بدل اضطراري بحسب الفرض والمفروض ان الصلاة مع التيمم تستوفي جزءاً من ملاك الصلاة مع الطهارة المائية وهذا المقدار من الملاك الذي يستوفيه المكلف من الصلاة مع الطهارة المائية عندما ياتي بالصلاة مع الطهارة الترابية يضاف الى الملاك التام الذي يستوفيه عندما ياتي بالواجب الآخر اي عندما يطهر بدنه من الخبثفالمكلف الذي اشتغل بتطهير بدنه من الخبث قد استوفى ملاك تام لما ليس له بدل مع جزء من ملاك ما له بدل

واما اذا جاء بما له بدل فسوف يرتفع موضوع وجوب تطهير البدن من الخبث ولكن ما يحصل عليه هو الملاك التام للصلاة مع الطهارة المائية فقط المساوي بحسب الفرض لملاك الواجب الآخر ومعنى هذا الكلام ان التزاحم يقع بين الملاك التام في ما ليس له بدل وجزء من ملاك ما له بدل وبين الملاك التام في ما له بدل ومن الواضح ان الاول اهم لانه ملاك تام وزيادة ويتعين حينئذ ترجيح ما ليس له بدل لان ترجيح ما ليس له بدل يلازم الحصول على الزيادة

والحاصل ان المكلف يدور امره مع فرض التساوي بين الاتيان بما ليس له بدل ويتعين حينئذ عليه التيمم للصلاة وبذلك يحصل على الملاك التام لما ليس له بدل مع مقدار من ملاك الصلاة مع الوضوء وبين الاتيان بما له بدل فيحصل على الملاك التام له المساوي بحسب الفرض لملاك ما ليس له بدل ولا اشكال في ان الاول اهم فيتعين تحصيله وذلك عن طريق الاتيان بما لا بدل له وهذا هو معنى ان احتمال التساوي يصب في صالح ترجيح ما ليس له بدل، ويضاف له احتمال اهمية ما ليس له بدل فيكون احتمال اهمية ما ليس له بدل اقوى من احتمال اهمية ما له بدل فهناك احتمالان في صالح ترجيح ما ليس له بدل، فيثبت ترجيح ما ليس له بدل على ما له بدل نعم هذا ليس مرجحاً مستقلاً وانما هو يرجع الى الترجيح بقوة احتمال الاهمية

المرجح الثالث: ترجيح المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية

يستفاد من كلمات المحقق النائيني (قده) ان المراد من القدرة الشرعية هي القدرة التي تكون دخيلة في موضوع التكليف شرعاً بحيث لا يكون هناك ملاك ولا يكون التكليف فعلي بدونها فينتفي التكليف عن غير القادر لا باعتبار العجز وانما باعتبار ان الشارع اخذ القدرة في موضوع التكليف بحيث انه مع عدم القدرة لا ملاك

في مقابل القدرة العقلية التي يراد بها القدرة على المتعلق المعتبرة في التكليف بملاك قبح تكليف العاجز فعدم التكليف لا لأجل عدم وجود ملاك في الفعل بل باعتبار قبح تكليف العاجز فاذا دل الدليل على أن الشارع اخذ القدرة في موضوع التكليف وفي الملاك يعبر عنها بالقدرة الشرعية بمعنى ان المكلف لا بد ان يكون قادراً على الفعل من ناحية الشارع بمعنى ان الشارع لا يمنعه منه بالاضافة الى اعتبار كونه قادراً عليه تكويناً وعقلاً بناء على هذا قالوا بانه اذا كان احد الواجبين مشروط بالقدرة العقلية والآخر مشروط بالقدرة الشرعية يقدم المشروط بالقدرة العقلية على المشروط بالقدرة الشرعية


[1] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج7، ص84.