42/01/19
الموضوع: التزاحم
أكملنا الكلام عن المرجح الاول وتبين مماتقدم ان اطلاق خطاب الاهم -سواء كان معلوم الاهمية او محتملها- ثابت في حالة الاشتغال بالآخر لكن خطاب الواجب الآخر ليس ثابتاً في حال الاشتغال بالاول بل هو مقيد بعدم الاشتغال بما يعلم كونه اهم او ما يحتمل كونه اهم
وهذا يقتضي ترجيح معلوم الاهمية على غيرة وكذا يقتضي ترجيح محتمل الاهمية على الاخر
وهناك بحث أثاره المحقق النائيني (قده) وهو انه اذا كان الواجبان المتزاحمان مشروطين بالقدرة الشرعية اي بعدم الاشتغال بواجب آخر، فهل يلاحظ الترجيح بالاهمية او ان الترجيح بالاهمية يختص بما اذا كان الواجبان مشروطين بالقدرة العقلية فقط
وبعبارة اخرى ان البحث في الترجيح بالاهمية هل يشمل الواجبين المتزاحمين المشروطين بالقدرة الشرعية ايضاً او انه يختص بالواجبين المشروطين بالقدرة العقلية،
وهو اختار اختصاص الترجيح بالاهمية بالواجبين المشروطين بالقدرة العقليةومعنى القدرة العقلية هو القدرة التكوينية على الاشياء ولا اشكال في أن كل خطاب مشروط بالقدرة العقلية لاستحالة تكليف غير القادر، واما القدرة الشرعية فالمراد بها القدرة على الشيء من ناحية الشارع بمعنى ان الشارع لا يمنعه من الاتيان بهذا الفعل، فاذا فرضنا ان الواجبين المتزاحمين مشروطين بالقدرة الشرعية بمعنى عدم الاشتغال بواجب اخر
فالمكلف وإن كان قادراً على الاتيان بالفعل تكويناً ولكن الشارع يمنعه من الاتيان به ويطلب منه صرف قدرته في الاشتغال بواجب آخر، فالمقصود بالقدرة الشرعية هو كون الخطاب مشروط بعدم الاشتغال بأي واجب آخر بحيث يرتفع التكليف خطاباً وملاكاً لو اشتغل بواجب آخر
وذكر المحقق النائيني (قده) بانه اذا كان كل منهما مشروط بالقدرة الشرعية فالترجيح بالاهمية لا يأتي حتى اذا كان احدهما معلوم الاهمية نعم اذا كانا مشروطين بالقدرة العقلية فقط فالترجيح بالاهمية يجري في المقام
والدليل على ذلك ان الاهمية انما تكون موجبة لتقديم الاهم على غيره في ما اذا كان ملاك كل من الخطابين تاماً وفعلياً باعتبار ان المقصود من تقديم الاهم على المهم هو تقديم الاهم ملاكاً فلا بد ان يكون لكل منهما ملاك تام وفعلي فلا بد ان يكون كل من الواجبين واجداً للملاك التام الفعلي وهذا هو شرط التقديم بالاهمية
فاذا فرضنا في مورد ما كان احدهما واجداً للملاك الفعلي التام دون الآخر فلا تأتي مسألة الترجيح بالاهمية
فاذا فرضنا ان الواجبين كانا مشروطين بالقدرة الشرعية فهذا معناه ان الملاك التام الفعلي في أحدهما لا في كل منهما باعتبار انه مع اشتراط القدرة الشرعية في كل منهما بحسب الفرض لا يمكن ان يكون الملاك في كل منهما تاماً وفعلياً لأن المفروض ان القدرة الشرعية دخيلة في الملاك
والمفروض ان المكلف في محل الكلام ليس له القدرة الشرعية على امتثال كلا الواجبين وتحصيل ملاكهما لوضوح انه اذا امتثل احدهما لا يكون قادراً على امتثال الآخر شرعاً لانه بمجرد ان يمتثل احدهما يرتفع الآخر خطاباً وملاكاً فله قدرة شرعية واحدة على امتثال احدهما فالقدرة موجودة في احدهما وغير موجودة في الآخر ومن الواضح انه عندما تنتفي القدرة ينتفي الملاك
وحيث تنتفي القدرة على أحدهما ينتفي الملاك عنه، فالملاك موجود في احدهما فقط وهذا معناه عدم توفر شرط الترجيح بالاهمية في المقام
والحاصل انه مع عدم القدرة على امتثال كلا الواجبين يستحيل ثبوت كلا الملاكين لان القدرة دخيلة في الملاك اذن احد الملاكين غير ثابت نعم احدهما ثابت
ولا يمكن معرفة الملاك غير الثابت اذ لا موجب لتحديد ان الملاك غير الثابت هو الموجود في المهم دون الاهم فان مجرد كون هذا اهم لا يعني ان الملاك موجود فيه دون الآخر لأننا كما نحتمل أن يكون الملاك في الاهم كذلك نحتمل بنفس الدرجة ان الملاك موجود في المهم فان معنى كونه أهم ان الملاك في الاول على تقدير وجوده فيه فهو أهم
وعليه فالامر لا يدور بين تفويت الملاك الاقوى وتفويت الملاك الاضعف كما كنا نفترضه عندما يكون الواجبان مشروطين بالقدرة العقلية لأن هذا فرع ثبوت الملاك الفعلي في كل منهما وقد عرفت انه لا يمكن اثبات الملاك الفعلي في كل منهما اذا كانا مشروطين بالقدرة الشرعية
فاحتمال أن الملاك الثابت هو الاقوى يقابله احتمال ان يكون الملاك الثابت هو الاضعف
وما ذكره اجاب عنه السيد الخوئي (قده) بأنه في محل الكلام يمكننا احراز ثبوت الملاك في الاهم دون المهم باعتبار ان الاهم مقدور للمكلف عقلاً وشرعاً اما انه مقدور عقلاً فواضح واما انه مقدور شرعاً فباعتبار انه لا يوجد ما يمنع من القدرة عليه الا الامر بالمهم لأن الامر بالمهم يمنع المكلف من ان يصرف قدرته في امتثال الاهم وهذا المانع غير موجود باعتبار انه يستحيل ان يامر الشارع بالمهم في حال مزاحمته مع الأهم بحيث يكون الامر بالمهم فعلياً مع كونه مزاحماً لما هو اهم لانه تفويت لواجب أهم بنظر الشارع ومن الواضح انه لا يجوز امتثال ما يوجب تفويت ما هو أهم بنظر الشارع فالامر بالمهم لا وجود له فلا امر بالمهم فعلاً فينتفي المانع من القدرة الشرعية على الاهم فيصبح الاهم مقدوراً عقلاً وشرعاً وبذلك نحرز أن الملاك موجود فيه فيتقدم على غيره