الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/11/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم

كان الكلام في ترجيح محتمل الأهمية على غيره

وقلنا بأن المحقق النائيني فصل بين القول بالتخيير العقلي في الواجبين المتزاحمين المتساويين بمعنى ان كلاً منهما مشروط بعدم الاشتغال بالآخر والقول بالتخيير الشرعي بينهما الذي مرجعه الى وجوب أحدهما لا بعينه، فلا بد من الاتيان بمحتمل الاهمية على الاول، وتدخل المسألة في كبرى دوران الامر بين التعيين والتخيير الشرعيين على الثاني

واعترض عليه السيد الخوئي باعتراضين ذكرنا الاول منهما

الثاني: إن المقام وإن كان من دوران الامر بين التعيين والتخيير ولكن لا بد ان نلتزم بالاشتغال في خصوص المقام حتى اذا قلنا في كبرى الدوران بالبراءة، وخصوصية المقام هو ان دوران الامر بين التعيين والتخيير فيه في مقام الامتثال وفي مثله لا بد من القول بالاشتغال

ومنشأ الخصوصية انه دوران في التزاحم بين الامتثالين فلا بد من الأخذ بالتعيين اي لا بد من العمل بمحتمل الاهمية باعتبار أن الاتيان به يوجب اليقين بالبراءة عن التكليف والأمن من العقاب قطعاً لأنه إن كان أهم فهو الواجب وإن كان مساوي للآخر فهو أحد فردي الواجب، بخلاف الاتيان بالآخر فهو لا يوجب القطع بالبراءة لاحتمال انه ليس هو الواجب في الواقع في فرض كونه الاقل اهمية

والعقل في مثل هذا يستقل بلزوم الاتيان بما يقطع المكلف معه بالبراءة والأمن من العقاب

وهذا نظير ما يقال في دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام جعل الحجية فهناك يقال لابد من الأخذ بالحجة التي يحتمل فيها التعيين والتخيير، كما لو دار الأمر بين كون فتوى الاعلم حجة تعييناً او تخييراً فالعقل يستقل في هذه الحالة بلزوم الاحتياط والأخذ بالحجة التي يحتمل فيها التعيين

نعم في دوران الأمر بين التعيين والتخيير في عالم التشريع والجعل فهنا يقال بكونه مجرى للبراءة كما لو شككنا في كفارة ما أن الاطعام واجب تعييناً او انه واجب تخييراً فهذا مجرى للبراءة لنفي التعيين

فليس كل دوران بين التعيين والتخيير يكون هناك مجال فيه للقول بالبراءة،

وما يمكن ان يقال في المقام إن الملاحظة الاولى التي ذكرها لا ترد على المحقق النائيني لانه يتكلم بناء على الاقوال الموجودة في المسألة ولا يتحدث على مبناه وفي تلك الكبرى يوجد قولان: الاشتغال والبراءة

واما الملاحظة الثانية فمرجعها الى التمسك بأصالة الاشتغال عند الشك في سقوط التكليف المعلوم بقانون ان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ويكون الشك بسقوط التكليف باعتبار انه اذا جاء بمحتمل الأهمية يعلم بسقوط الخطاب الآخر لأن المفروض أن الخطاب الآخر مقيد بعدم الاشتغال بالأهم او المساوي، ومحتمل الأهمية إما أهم او مساوي وهذا بخلاف الاتيان بالفرد الآخر فانه لا يعلم معه بسقوط خطاب محتمل الأهمية لعدم احراز كون ما أتى به مساويا ً بل يحتمل أن ما أتى به أقل أهمية من ذاك وعندئذ لا يكون الاشتغال به مسقطاً للآخر

والنتيجة ان الاتيان بمحتمل الاهمية يوجب القطع بسقوط الآخر ولا عكس بمعنى أن الاتيان بالآخر لا يوجب القطع بسقوط التكليف بخطاب محتمل الاهمية فنحن نشك عند الاتيان بالآخر في ان خطاب محتمل الاهمية يسقط او لا

فهو شك في سقوط التكليف ومعه لا يمكن للمكلف أن يأتي بالطرف الآخر ويكتفي به، وفي الشك بسقوط التكليف بعد العلم به تجري قاعدة الاشتغال

فمرجع هذا الكلام الى دعوى اننا نشك في سقوط التكليف بمحتمل الاهمية عند الاتيان بالآخر بينما لا نشك في سقوط الآخر عند الاتيان بمحتمل الأهمية، فيجوز للمكلف أن يأتي بمحتمل الأهمية والاكتفاء به بينما لا يجوز له الاتيان بالآخر، وهذا يعني لزوم تقديم محتمل الأهمية

وهذا هو أحد الوجوه المستدل بها لترجيح محتمل الاهمية

وهناك كلام في تمامية هذا الوجه باعتبار ان المقصود بالشك في السقوط في قاعدة الاشتغال هو الشك في سقوط التكليف الناشيء من الشك في امتثاله بعد الفراغ عنه

واما الشك في سقوط التكليف في المقام فليس ناشئاً من الشك في امتثاله بعد الفراغ عن الاشتغال به

ففي المقام لم يفرض أن المكلف شك في المجيء بمحتمل الاهمية فإن كلامنا قبل مرحلة الاتيان بمحتمل الأهمية فهو على يقين بأنه لم يأتي بمحتمل الأهمية، وهو يشك في سقوط التكليف بمحتمل الاهمية وهذا الشك ينشأ من أن المكلف بعد أن يأتي بالآخر يشك في أن خطاب محتمل الأهمية هل هو مقيد بعدم الاشتغال بالآخر او ليس مقيداً به، فاذا كان مقيداً به فالاتيان بالآخر يوجب سقوط خطاب محتمل الاهمية وإن لم يكن مقيداً به فاذا اشتغل بالآخر فمحتمل الأهمية لا يسقط، فاذا كان هناك تساوي بينهما في الاهمية فالخطاب بمحتمل الاهمية يكون مقيداً بعدم الاشتغال بالآخر واما اذا كان ما جاء به اقل اهمية فالاتيان به لا يوجب سقوط خطاب محتمل الاهمية فعلى أحد التقديرين يسقط خطاب محتمل الاهمية وعلى التقدير الآخر لا يسقط فهو شك في سقوط خطاب محتمل الاهمية ولكنه ليس ناشئاً من الشك في امتثاله بعد اليقين باشتغال الذمة به وانما من جهة الشك في كونه مقيداً بعدم الاشتغال بالآخر او لا

ومرجع هذا الى الشك في سعة وجوب محتمل الأهمية وضيقه وهذا ينشأ من احتمال أن يكون الآخر مساوي او أقل منه اهمية، وهذا في الحقيقة شك في التكليف الزائد فهو مجرى للبراءة لا الاشتغال، فهو شك في ثبوت التكليف بمحتمل الاهمية في فرض الاشتغال بالآخر من البداية

فالوجه الاول ليس تاماً

الوجه الثاني: بناء على التخيير العقلي وكون وجوب كل منهما مشروطاً بعدم الاشتغال بالآخر فيما اذا كانا متساويين والقول بإمكان الترتب فاذا علمنا باهمية أحدهما فلا اشكال في سقوط الاطلاق في خطاب الآخر ويكون مقيداً بعدم الاشتغال بالأهم، واما اذا احتملنا الاهمية في أحدهما دون الآخر ففي هذه الحالة نحن نعلم بسقوط اطلاق الخطاب في الآخر على كل تقدير سواء كان الاول اهم منه او كان مساوياً له واما خطاب محتمل الاهمية فلا نحرز سقوط اطلاقه لاحتمال ان يكون أهم وعليه فلا بد من الأخذ باطلاق خطاب محتمل الاهمية ومعناه تقديم محتمل الاهمية على غيره