الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/11/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التزاحم

كان الكلام في الوجه الثالث لتقديم معلوم الاهمية وهو دعوى أن العقل يحكم بلزوم تقديم معلوم الاهمية لأن ترك معلوم الاهمية والاشتغال بالمهم فيه تفويت لملاك مولوي منجز بالعلم من دون عذر، فالمكلف لا يكون معذوراً في هذا الترك لأن اشتغاله بالمهم لا يعتبر عذراً لتفويت الزيادة في ملاك الأهم وهذا قبيح عقلاً

و نقطة الضعف في هذا الوجه أنه يتوقف على اثبات أن الملاك الأهم يكون فعلياً في حال الاشتغال بالمهم وحينئذ يقال بأن الاشتغال بالمهم يلزم منه تفويت الملاك المولوي المنجز، وأما اذا فرضنا أن الملاك الاهم لم يكن فعلياً بل كان معلقاً على عدم الاشتغال بالمهم او احتملنا فيه ذلك، ففي هذه الحالة لا يكون الاشتغال بالمهم تفويتاً لملاك منجز ولا يحكم العقل بقبحه

وهذا ما عبرنا عنه بأنه لابد أن يكون ملاك الاهم مشروطاً بالقدرة العقلية في قبال ما اذا فرضنا انه مشروط بالقدرة الشرعية بمعنى ان ملاك الاهم مشروط بعدم الاشتغال بالمهم او احتملنا فيه ذلك؛ لانه لا يكون حينئذ فعلياً حين الاشتغال بالمهم لأنه معلق على عدم الاشتغال بالمهم بحسب الفرض ولا مانع بنظر العقل في هذه الحالة من ترك الأهم والاتيان بالمهم

بل قد يقال بأن اعتبار أن يكون ملاك الأهم فعلياً حين الاشتغال بالمهم هو شرط في الوجه الثاني المتقدم ايضاً وهذا يشكل نقطة ضعف في الوجه الثاني ايضاً

والوجه في لابدية الاشتراط هو أن اطلاق خطاب الأهم لفرض الاشتغال بالمهم هو ما يراد اثباته في الوجه الثاني فان كبرى الشرط اللبي الارتكازي (كل خطاب مشروط بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه اهمية) اذا طبقناها على خطاب المهم نقول إن خطاب المهم مقيد بعدم الاشتغال بالأهم، ولكن لا يمكن تطبيق ذلك على خطاب الأهم فلا يكون مقيداً بعدم الاشتغال بالمهم لأن المهم يقل عنه أهمية فلا يكون مقيداً بعدمه، ومعنى هذا ان الاشتغال بالاهم يكون رافعاً لموضوع خطاب المهم، ويكون دليل الواجب الأهم وارداً على خطاب المهم ورافعاً لموضوعه دون العكس بمعنى ان الورود يكون من جانب الاهم فقط

وقد يقال بأن هذا الاشتراط يأتي في المقام بمعنى انه لا بد أن يكون ملاك الواجب الأهم فعلياً حين الإتيان بالمهم وحينئذ يقال نتمسك باطلاق خطاب الأهم لإثبات أن الاشتغال به يكون رافعاً لموضوع المهم ونفي كون الاشتغال بالمهم رافعاً لموضوع الخطاب الاهم، بمعنى انه حين يكون ملاك الاهم فعلياً يمكن التمسك باطلاق خطابه لحالة الاشتغال بالمهم، وحينئذ يتحقق الورود من جانب الاهم فقط، فالاشتغال بالاهم يرفع موضوع المهم دون العكس

واما اذا لم نتمكن من اثبات أن ملاك الاهم فعلي حين الاشتغال بالمهم كما اذا كان مشروطا بالقدرة الشرعية أي بعدم الاشتغال بالمهم او احتملنا فيه ذلك فحينئذ لا نحرز فعلية الأهم حين الاشتغال بالمهم ومعه لا يمكننا اثبات كون الاشتغال بالأهم رافعاً لموضوع خطاب المهم دون العكس، اي عندما يكون ملاك الاهم تعليقياً لا يمكن اثبات الورود من جانب الاهم دون العكس

بل يكون خطاب الاهم حينئذ كخطاب المهم في عدم جواز التمسك به لفرض الاشتغال بالآخر لأن كلاً منهما مقيد بعدم الاشتغال بالآخر، أما المهم فللمقيد اللبي الذي ذكرناه وأما خطاب الأهم فلاننا افترضنا أن ملاكه مشروط بالقدر الشرعية، والوجوب يتبع الملاك فوجوبه مشروط بعدم الاشتغال بالمهم، فيكون الاشتغال بكل منهما رافعاً لموضوع الآخر وبهذا تتحقق حالة التوارد من الجانبين، وبناء على هذا لا يتم الوجه الثاني للتقديم

فاشتراط كون الملاك الاهم فعلياً حين الاشتغال بالمهم ، معتبر في كلا الوجهين الثاني والثالث

وبعبارة اخرى لا بد من إحراز أن القدرة التي هي شرط في الملاك قدرة عقلية واما اذا ثبت كون ملاك الاهم مشروطاً بالقدرة الشرعية او احتملنا ذلك فلا يتم الوجه الثاني ولا الوجه الثالث

ومن هنا قد يقال بأننا لا نملك دليلاً على أن القدرة المشترط بها ملاك الاهم هي قدرة عقلية لأننا نحتمل انها قدرة شرعية بمعنى أن الملاك الاهم يرتفع عند الاشتغال بالمهم، فعند الاشتغال بالمهم يكون الواجب الاهم بلا ملاك وحينئذ لا يوجد محذور في ترك الاهم والاشتغال بالمهم لانه ليس في ترك الاهم والاشتغال بالمهم تفويت ملاك مولوي منجز

فلا بد من اثبات ان القدرة في الملاك قدرة عقلية لا شرعية حتى يتم كلا الوجهين الثاني والثالث

والذي يطرح في المقام هو هل يمكن التمسك باطلاق خطاب الاهم لاثبات ان القدرة عقلية لا شرعية، اي ان هذا الملاك يكون فعلياً حتى في حال الاشتغال بمزاحمه المهم