41/11/16
الموضوع: التزاحم
كان الكلام في الاعتراض الذي يتوجه على ما ذكر من أن باب التزاحم منفصل عن باب التعارض، وهو أن التزاحم يرجع الى التعارض لأنه يمكن التمسك باطلاق كلا الخطابين لنفي كون الاشتغال بالضد الآخر المزاحم من الاشتغال بالضد المساوي او الاهم، وثبوت اطلاق الخطابين يدخل المقام في باب التعارض لأنه لا يعقل ثبوت خطابين مطلقين مع عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما وهذا هو الميزان في باب التعارض
ووجه اليه ايراد من انه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، واجيب انه يمكن التمسك بالعام في الشبة المصداقية بناء على احد مبنيين:
الاول: يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية اذا كان المخصص لبياً
الثاني: يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية اذا كانت الشبهة حكمية لا موضوعية صرفة لأن حلها بيد الشارع كما في المقام
والجواب عن الاعتراض انه لا يجوز التمسك بالعام في محل الكلام لأن الشبهة مصداقية، واما المبنيان المتقدمان فعلى تقدير القول بهما مع ذلك نقول لا يجوز التمسك بالعام في محل الكلام
باعتبار انه حتى اذا كانت الشبهة حكمية فضلاً عما اذا كانت موضوعية صرفة وكان المخصص لبياً كما هو في محل الكلام، نقول بعدم جواز التمسك بالعام عندما يكون المخصص اللبي ارتكازياً بديهياً معلوماً لكل أحد لأن هذا المخصص الارتكازي يكون بمثابة القرينة المتصلة بالكلام وفي حالة من هذا القبيل يكون هذا موجباً لاجمال الدليل باعتبار اقترانه بهذا الامر الارتكازي البديهي وحينئذ يكون مقترناً بما يصلح أن يكون قرينة مانعة من الاطلاق فلا يمكن ان نتمسك به لنفي كون الاشتغال بالضد الآخر اشتغالاً بما هو اهم او مساوي
وهذا نشأ من المقيد اللبي الارتكازي بان الامر بكل خطاب مقيد بعدم الاشتغال بواجب لا يقل عنه اهمية وهذا قيد متصل، ونحن نحتمل ان الازالة اهم او مساوية في الاهمية للصلاة فلا ينعقد الاطلاق من البداية لانه اقترن بما يصلح لان يكون قرينة لا انه ينعقد وبعئذ نشك في تقييده، فلا يصح التمسك باطلاق الخطاب في محل الكلام لانه لا ينعقد للخطاب اطلاق من البداية حتى يصح التمسك به لنفي احتمال التقييد
وبعبارة اخرى لا اشكال في ان خطاب صل مقيد بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه اهمية لكن لما كان هذا القيد من القيود اللبية الارتكازية البديهية التي تعد بمثابة القرينة المتصلة بالخطاب وحيث اننا نحتمل ان الازالة اهم او مساوية في الاهمية للصلاة فالخطاب على هذا الاحتمال لا يكون له اطلاق وهذا معناه ان خطاب صل لا ينعقد له اطلاق بحيث يشمل حال الاشتغال بالازالة فيكون مجملاً من هذه الناحية
وهذا بخلاف ما اذا كان المخصص لفظياً غير متصل بالخطاب او كان المخصص لبياً لكنه ليس ارتكازياً من قبيل الاجماع ففي هذه الحالة لا مانع من انعقاد الاطلاق بالخطاب ويمكن التمسك به لنفي التقييد بناء على احد المبنيين السابقين
ومن هنا يظهر بان الخطابين المتزاحمين لا يوجد في دليل كل منهما اطلاق ينافي اطلاق الآخر لأن الدليل مقيد بعدم الاشتغال بضد اخر لا يقل عنه اهمية فاذا كانا متساويين في الاهمية فكل واحد منهما مقيد بعدم الاشتغال بالآخر، ولا استحالة في خطابين ينتجان حكمين مقيدين بهذا الشكل
وهذا معناه أن التنافي لا يسري من مقام الامتثال الى مقام الجعل فلا يقع التنافي بين الادلة مما يعني خروج باب التزاحم عن باب التعارض
ثم لا بد ان نميز بين التزاحم بين الاحكام في باب الامتثال وبين التزاحم في الملاكات
وكلامنا في التزاحم الحكمي لا في التزاحم الملاكي والمقصود به ان الفعل الواحد يكون فيه مصلحة تقتضي جعل الوجوب وجهة اخرى تقتضي جعل الحرمة او الاباحة ومن الواضح انه لا يمكن جعل كل منهما فلا يمكن لكل من هذين الملاكين ان يؤثرا في حكمين فعليين لاستحالة ان يكون الشيء الواحد واجباً و حراماً فلا بد أن احدهما يؤثر في الحكم فقط وهذا هو التزاحم الملاكي، كما لو كان في الفعل مصلحة تقتضي الوجوب ومصلحة تقتضي الاباحة الاقتضائية الناشئة من مصلحة في الاباحة كمصلحة التسهيل التي اقتضت جعل الاباحة في السواك وحينئذ يقع التزاحم بين مصلحة الوجوب ومصلحة الاباحة وهذا التزاحم مرتبط بالمولى فهو الذي يلاحظ الاقوى ملاكاً فيقدمه والمكلف ليس له الا الاطاعة حتى اذا كان نظره يختلف عن نظر المولى
وهذا يختلف عن التزاحم الحكمي ففيه يعمل العبد نظره في ترجيح احد المتزاحمين على الآخر باعتبار الاهمية فاذا ادرك ان الازالة اهم من الصلاة عند الشارع يكون الترجيح بهذه الاهمية، واوضح من هذا الترجيح باحتمال الاهمية وهذا اعمال لنظر المكلف في هذا الباب وكذلك يرجع المكلف في باب التزاحم الى التخيير عندما يفترض عدم وجود اهمية او احتمال الاهمية، فالمكلف يعمل نظره في باب التزاحم الحكمي ولكن ليس له اعمال نظره في باب التزاحم الملاكي
والكلام يقع في انه هل يكفي في التزاحم الحكمي مجرد احراز الملاكين في الفعلين من دون فرض جعل الحكمين على طبق الملاكين او يعتبر فيه جعل نفس الحكمين على طبق الملاكين
ففي باب التزاحم الحكمي بين صل وازل النجاسة مع فرض ضيق قدرة المكلف عن امتثالهما فاذا احرزنا وجود الملاكين في الفعلين، ولا يعقل ان يكون كل منهما واجباً لعدم قدرة المكلف على امتثالهما
فهل نطبق عليه مرجحات باب التزاحم او نقول بأنه يعتبر في التزاحم الحكمي جعل حكمين على طبق الملاكين حتى يقع التزاحم بين الحكمين