41/11/14
الموضوع: التزاحم
ذكرنا بأن خروج باب التزاحم عن باب التعارض يثبت اذا التزمنا بأمرين: إمكان الترتب، وتقييد الخطابات الشرعية لباً بعدم الاشتغال بالأهم او المساوي، مثلاً بناء على أن الازالة والصلاة متساويان في الاهمية فلا تنافي بين خطاب صلّ وخطاب ازل النجاسة عن المسجد فموضوع كل منهما هو القادر ولكن كل من الخطابين مقيد بعدم الاشتغال بالضد المساوي، فكأن خطاب صل يامره بالصلاة اذا لم يشتغل بالازالة وكذلك مفاد الآخر ازل النجاسة إن لم تشتغل بالصلاة
فلا يكون هناك تنافي بين الدليلين ولا يكون تنافي بين الجعلين المستفادين من الدليلين واذا لم يوجد تنافي بين الجعلين فلا تعارض بين دليليهما لأن الالتزام بالمقيد اللبي سوف يثبت لنا حكمين مترتبين في صورة التساوي والمفروض اننا نقول بإمكان الترتب، فيكون خروج باب التزاحم عن باب التعارض واضح
وأما اذا انكرنا أحد الامرين يدخل باب التزاحم في باب التعارض فلو انكرنا وجود المقيد اللبي بأن يكون خطاب صل مطلق يشمل حتى صورة الاشتغال بالأهم او المساوي وكذلك خطاب ازل، فحينئذ سيقع التعارض بمعنى أنه يستحيل جعل هذين الحكمين المطلقين لعدم قدرة المكلف على امتثالهما بل لا بد أن يكون المجعول واحداً وحيث لا نعلم به فيتكاذبان فيسري التنافي الى عالم الجعل فيتحقق التعارض
وأما اذا قلنا بوجود المقيد اللبي ولكن انكرنا إمكان الترتب فسوف يدخل باب التزاحم في باب التعارض باعتبار أن انكار الترتب يعني أن الخطابين وإن كانا مشروطين بعدم الاشتغال بالمساوي او الاهم ولكن هذا يؤدي الى ان يصبح كلا الحكمين فعلياً في صورة العصيان إذ بها يتحقق شرط فعلية كل واحد منهما لأن كل منهما مشروط بعدم الاشتغال بالمساوي او الاهم فاذا عصى الاهم او المساوي يصبح التكليف الآخر فعلياً لتحقق شرطه، فيصبح كلا التكليفين فعلياً في صوة العصيان وترك كلا الواجبين المتزاحمين، وجعل تكليفين فعليين مع عدم قدرة المكلف على امتثالهما محال وحينئذ يسري التنافي الى عالم الجعل فالجعل يكون محالاً وهذا هو التعارض
ومن هنا لا بد من بيان ما هو الصحيح في هاتين المسألتين
أما مسألة الترتب فتقدم الكلام عنها في مبحث الضد والرأي المشهور على إمكان الترتب بل قيل على ضرورة وقوعه
وأما المسألة الثانية وهي تقييد كل خطاب بعدم الاشتغال بالمساوي او الاهم فدليلها أن كل خطاب شرعي بالاضافة الى اشتراطه بالقدرة العقلية على متعلقه لإستحالة تكليف العاجز هو مشروط بالقدرة الشرعية ايضاً بمعنى عدم منع الشارع من المتعلق والا فالمكلف غير قادر عليه شرعاً، وهذا هو معنى أن كل خطاب مقيد بعدم الاشتغال بالاهم او المساوي له في الاهمية، والاهم هو الاهم في نظر الشارع، فلو فرضنا ان الازالة أهم بنظر الشارع يكون الخطاب بالصلاة مقيداً بعدم الاشتغال بالازالة، فيكون المكلف عاجزاً عن الاتيان بالمهم من ناحية الشارع، فالقدرة الشرعية تفسر بهذا التفسير بمعنى تقييد الخطاب بأن لا يكون المكلف مشتغلاً بالأهم او المساوي
فهناك قيد لبي يعبر عنه بالقدرة الشرعية والدليل عليه أن اطلاق الخطاب لصورة الاشتغال بضد الواجب الذي لا يقل عنه اهمية محال فحينئذ لا بد من فرض التقييد بعدم الاشتغال بالاهم او المساوي فيثبت عدم الاطلاق وهو عبارة عن التقييد بناء على أن التقابل بينهما تقابل النقيضين
واطلاق خطاب صل لحالة الاشتغال بالازالة في فرض التساوي محال لأن الغرض من هذا الاطلاق إن كان هو التوصل الى الزام المكلف بالجمع بين الضدين فهو محال لأن المفروض أن المكلف غير قادر على الجمع بين الواجبين المتزاحمين فلا يعقل أن يطلب منه الجمع بينهما، وإن كان الغرض من اطلاق الخطاب هو صرف قدرة المكلف عن المزاحم فالغرض من اطلاق خطاب صل هو أن يصرف المكلف قدرته في امتثال الصلاة وأن لا يصرفها في امتثال الازالة فهذا لا وجه له بعد فرض أن الازالة أهم او مساوية للصلاة، نعم اذا كان المزاحم اقل اهمية من الصلاة فلا مانع من اطلاق خطاب الصلاة كما هو الصحيح
فالاطلاق ليس بثابت واذا نفينا الاطلاق يثبت التقييد بمعنى أن خطاب صل مقيد لباً بعدم الاشتغال بالاهم او المساوي فيثبت وجود هذا المقيد اللبي في كل خطاب
وبناء على هذا فلا يوجد تنافي بين جعل الحكمين كما في الخطاب الذي يتضمن وجوب انقاذ هذا الغريق وبين الخطاب الذي يتضمن وجوب انقاذ الغريق الآخر فلا تنافي بينهما لأن وجوب انقاذ هذا الغريق مترتب على عدم انقاذ الغريق الآخر وهكذا الخطاب الآخر
فهما جعلان مشروطان ينتجان حكمين مترتبين او ينتجان حكماً على نحو الترتب في صورة كون أحدهما أهم، فلا يسري التعارض الى باب الادلة وعالم الجعل، فيثبت أن باب التزاحم مفصول عن باب التعارض