41/11/13
الموضوع: التزاحم
قلنا بان باب التزاحم يختلف عن باب التعارض باعتبار ان التزاحم هو التنافي في مقام الامتثال بينما التعارض هو التنافي بين الادلة وفي باب التزاحم لا مشكلة في افتراض وجود كلا الدليلين وكل دليل يثبت حكمه ولا تنافي بينهما وانما التنافي بينهما يكون في مقام الامتثال باعتبار عدم قدرة المكلف على امتثالهما معاً، فيكون باب التزاحم منفصل عن باب التعارض
وفي المقابل قد يقال بأن باب التزاحم يرجع الى باب التعارض فإنه وإن كان التنافي في باب التزاحم في مقام الامتثال ولكنه يسري الى عالم الجعل والتشريع بمعنى استحالة جعل كلا الحكمين، والبرهان عليه هو ان القدرة على المتعلق مأخوذة في موضوع التكليف وليس المراد هو القدرة الفعلية بل القدرة على متعلقه في حد نفسه وبقطع النظر عن المزاحمة وحينئذ يقال بأن هذه القدرة متحققة في باب التزاحم بالنسبة الى كلا التكليفين وحينئذ يصبح كلا التكليفين فعلياً واذا اصبح كل منهما فعلياً يقع التدافع بين هذين الحكمين الفعلييين لأن المكلف لا يتمكن من امتثالهما معاً بحسب الفرض فيستحيل جعل كلا الحكمين في حق المكلف فيكون جعلهما معاً لغواً وبلا فائدة واذا استحال جعلهما معاً يقع التعارض بينهما في عالم الجعل وهذا معنى أن التنافي يسري من مقام الامتثال الى مقام الجعل فيدخل باب التزاحم في باب التعارض
وواضح ان هذا الاعتراض يفترض انه بعد تحقق القدرة يصبح التكليف فعلياً والمكلف لا يتمكن من امتثال كلا التكليفين وهذا ينتج استحالة جعل كلا التكليفين لأن المكلف لا يتمكن من امتثالهما معاً فيكون كاستحالة التكليف بغير المقدور في الموارد الاخرى، لأن الغرض من التكليف ايجاد الباعثية والمحركية ومع كون التكليف غير مقدور يستحيل ايجاد هذا الداعي في نفس المكلف، فيقع التعارض بينهما في مقام الجعل بمعنى أنه إما هذا هو المجعول او هذا هو المجعول
والجواب يكون بأن يقال بأن دخول باب التزاحم في باب التعارض او عدم دخوله فيه يرتبط بمسألة امكان الترتب واستحالته ويرتبط ايضاً ببحث اشتراط كل خطاب لباً بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه اهمية
فما يختار في هذين البحثين يؤثر على هذا البحث، فإذا قلنا بإمكان الترتب كما هو مبنى المتأخرين بمعنى أن يؤمر بالشيء مترتباً على عدم الإتيان بضده، وبنينا على أن كل خطاب مقيد بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه أهمية فباب التزاحم خارج عن باب التعارض ولا يمكن تطبيق قوانين باب التعارض على باب التزاحم، لأنه اذا قلنا بهذين الامرين، فالامر بالصلاة مثلا مشروط بعدم الاشتغال بالازالة التي هي اهم منها بحسب الفرض او مساوية لها بالاهمية، نعم اذا كانت الازالة اقل اهمية فالامر بالصلاة مطلق، ونفس الكلام يقال بالنسبة الى الازالة فالامر بالازالة مشروط بعدم الاشتغال بواجب اخر لا يقل عنه اهمية فلو فرضنا ان الصلاة أهم منها فالأمر بالازالة مشروط بعدم الاشتغال بالصلاة، بمعني ان الذي يشتغل بالصلاة لا يؤمر أمراً فعلياً بالازالة كما ان من يشتغل بالازالة في حالة كونها مساوية في الاهمية للصلاة لا يؤمر امراً فعلياً بالصلاة
فاذا قلنا بهذا المقيد اللبي وقلنا بامكان الترتب يتضح انه في باب التزاحم لا يوجد بين الدليلين اي تنافي لا بلحاظ مدلولي الدليلين ولا بلحاظ دلالة الدليلين فالدليل الدال على وجوب الصلاة مقيد بعدم الاشتغال بالازالة والدليل الدال على وجوب الازالة مقيد بعدم الاشتغال بالصلاة فهذا تكليف بالمقدور ولا ينافي التكليف الآخر فلا يكون تنافي بين مدلولي الدليلين ولا بين دلالتهما
ويستفاد من هذين الدليلين جعلان يثبتان على موضوعهما -وهو القادر على متعلق التكليف- بنحو ينتج حكمين مشروطين على نحو الترتب فحينئذ القادر على الصلاة في حد نفسها تجب عليه الصلاة اذا لم يشتغل بالازالة والقادر على الازالة تجب عليه الازالة اذا لم يشتغل بالصلاة ولا يوجد اي تنافي بين هذين الجعلين وليس هو تكليف بغير المقدور لأنه لم يطلب منه الجمع بينهما، وهذا معناه ان باب التزاحم منفصل عن باب التعارض
هذا اذا قلنا بكلا الامرين، واما اذا ناقشنا في هذين الامرين بأن انكرنا وجود مقيد لبي او قلنا باستحالة الترتب فالنتيجة تختلف، فإذا أنكرنا المقيد اللبي -فالخطاب ليس مقيداً بعدم الاشتغال بضد واجب لا يقل عنه اهمية- فيكون الامر بالصلاة في المثال مطلقاً ثابتاً حتى مع الاشتغال بالازالة والامر بالازالة مطلق ثابت حتى مع الاشتغال بالصلاة فهذا معناه ان كل واحد من التكليفين يطلب من المكلف ايجاد متعلقه اي صرف القدرة الواحدة في الاتيان بمتعلقه وهذا محال بمعنى انه يستحيل جعل تكليفين مطلقين من هذا القبيل لأن معناه انه يطلب من المكلف الجمع بين تكليفين لا قدرة له على الجمع بينهما فيقع التعارض بين الدليلين الدالين على هذين الجعلين وهذا معناه سراية التنافي الى مقام الجعل ودخول باب التزاحم في باب التعارض
ونفس الكلام يقال اذا انكرنا الامر الثاني وقلنا بعدم امكان الترتب فالخطابان يتنافيان حتى اذا كانا مقيدين بالقيد اللبي