41/11/12
الموضوع: التزاحم
تقدم الكلام عن التعارض وأنه عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين او هو التنافي بين الدليلين في الدلالة كما يقول المحقق الخراساني او انه التنافي بين الدليلين بلحاظ فعلية المجعول على رأي آخر
وعلى كل حال وقع الكلام في النسبة بينه وبين التزاحم، حيث لوحظ أن التزاحم يشترك مع التعارض في أنه لون من الوان التنافي بين الحكمين المدلولين للدليلين، بإعتبار أن المراد من التزاحم هو التنافي بين الدليلين بلحاظ عالم الامتثال وفعلية المجعول فالدليلان يتنافيان لكن لا بانفسهما فهما لا تنافي بينهما لا بلحاظ دلالتهما ولا بلحاظ مدلولهما، نعم التنافي في مرحلة الفعلية والامتثال باعتبار أن المفروض أن المكلف ليس له القدرة الا على امتثال أحد التكليفين
وهذا النوع من انواع التنافي بين الدليلين هل يدخل هذين الدليلين في باب التعارض فنطبق عليه احكامه او انه باب خاص له احكامه وقوانينه الخاصة به
وتقدمت الاشارة الى ذلك وقلنا بأن الجواب عنه يرتبط بتحديد ما هو المقصود من التعارض، فتارة نقول بأن التعارض له معنى واسع يشمل موارد التعارض غير المستقر وموارد الجمع العرفي فيكون التعارض هو التنافي بين المدلولين بلحاظ مرحلة فعلية المجعول، وهو موجود في كل هذه الموارد واذا اريد به هذا المعنى سنجد أن التزاحم يدخل في باب التعارض فهناك تنافي في باب التزاحم بين المجعولين بلحاظ عالم الامتثال وفعلية المجعول لأن المفروض أن المكلف غير قادر على امتثالهما معاً وإنما هو قادر على امتثال أحدهما فقط
وأما اذا قلنا بأن المراد من التعارض هو التنافي الحقيقي بين الدليلين للتنافي بين مدلوليهما، فهنا يطرح السؤال حول دخول التزاحم في التعارض بهذا المعنى او عدم دخوله فيه
وبعبارة اخرى هل يمكن تصور التنافي بين مدلولي الدليلين في باب التزاحم؟، ولا اشكال في انه لاول وهلة لا يمكن أن نقول بأنه يوجد تنافي بين مدلولي الدليلين فلا تنافي بين مدلول (صل) وبين (ازل النجاسة) ولذلك هناك فرق واضح بين هذا وبين الدليل الدال على وجوب شيء والدليل الدال على حرمته، ولكن هل يمكن ان يتصور تنافي بين مدلولي الدليلين في باب التزاحم حتى يدخل في باب التعارض الحقيقي او انه لا يوجد ذلك حتى نقول ان باب التزاحم منفصل عن باب التعارض
ذهب المحقق النائيني (قده) الى أن باب التزاحم منفصل عن باب التعارض ولا علاقة له به لأن التنافي بين الدليلين تارة يكون بلحاظ عالم الجعل والتشريع فيستحيل جعلهما لأنهما متنافيان ولا يعقل الا جعل احدهما وهذا موجود عندما يدل دليل على وجوب شيء ويدل دليل آخر على حرمته فيستحيل جعلهما معاً وهذا هو التعارض فإنها يتكاذبان في مرحلة الجعل لأن مدلول الدليل هو الجعل
واخرى نفترض أن التنافي بين الدليلين بلحاظ عالم الامتثال بأن نفترض أن جعل كلا الحكمين ممكن في حد نفسه
ولا تنافي بينهما في عالم الجعل والتشريع وإنما التنافي بينهما في عالم الامتثال باعتبار عدم قدرة المكلف على امتثالهما وحينئذ يتزاحم التكليفان في مقام الامتثال لأن كل واحد منهما يتطلب من المكلف امتثاله دون غيره والمكلف تضيق قدرته عن امتثالهما معاً
وهذا هو التزاحم فهما بابان مستقلان لا يدخل أحدهما في الآخر وحينئذ فالتنافي الموجود في باب التزاحم لا يسري الى الجعل وإنما يقف في عالم الامتثال اذ لا علاقة له بالادلة حتى يتصور سريانه الى عالم الجعل حتى يتخيل دخول التزاحم في باب التعارض، ويترتب على ذلك أن باب التزاحم منفصل عن باب التعارض بمعناه الحقيقي باعتبار أن التعارض هو التنافي بين الدليلين في عالم الجعل وهذا المعنى غير موجود في باب التزاحم
وعلى هذا لا يمكن تطبيق قواعد باب التعارض على باب التزاحم فلا بد من التماس قوانين خاصة في باب التزاحم
وقد يناقش في هذا بمحاولة ارجاع باب التزاحم الى باب التعارض بإثبات أن التنافي بين الدليلين بلحاظ عالم الامتثال يسري الى عالم الجعل فيتكاذب الدليلان بلحاظ عالم الجعل وهذا هو التعارض
وهي تبتني على انه لا اشكال في أن القدرة مأخوذة في موضوع التكليف لوضوح استحالة تكليف غير القادر
والمراد بها هي القدرة على متعلق التكليف في حد نفسه وبقطع النظر عن المزاحم
في قبال القول أن المأخوذ في موضوع التكليف هو القدرة الفعلية على متعلق التكليف المأخوذ فيها وجود المزاحم، بمعنى أن يكون المكلف قادراً على متعلق التكليف مع فرض وجود المزاحم
فعلى الاول فالمكلف قادر على متعلق خطاب (صل) في حد نفسه وهو قادر على متعلق خطاب (ازل النجاسة) ايضاً، فيتحقق موضوع التكليف في كل منهما اذا قلنا ان القدرة الماخوذة في موضوع التكليف هي القدرة على المتعلق في حد نفسه
واما على الثاني بمعنى أن القدرة المأخوذة في موضوع التكليف هي القدرة الفعلية بحيث يؤخذ بنظر الاعتبار وجود المزاحم، فالمكلف باعتبار المزاحم لا يكون قادراً فعلاً على التكليفين، فعلى تقدير أن تكون الإزالة أهم من الصلاة ويطلب من المكلف صرف قدرته الوحيدة على امتثالها فالمكلف غير قادر على الصلاة تشريعاً لأن الشارع يأمره بصرف قدرته في الازالة، وهكذا الحال بالنسبة الى الازالة في ما اذا فرضنا ان الصلاة مساوية لها في الاهمية او هي اهم منها، فالقدرة الفعلية التي يؤخذ فيها ملاحظة وجود المزاحم ومدى اهميته غير موجودة بالنسبة الى متعلق كلا التكليفين فينتفي شرط كلا التكليفين فلا يوجد تكليف بكلا الامرين وحينئذ يخرج عن موضوع باب التزاحم
والمحاولة تقول ان المأخوذ هي القدرة على المتعلق في حد نفسه وحينئذ فالقدر موجودة بلحاظ كلا التكليفين فيتحقق شرط التكليف في كل منهما فيصبح كلا التكليفين فعلياً بتحقق شرطه وحينئذ يحصل التدافع بين هذين الحكمين الفعليين لعدم القدرة على امتثالهما معاً والحال أن المكلف ليس له الا قدرة واحدة على امتثال أحدهما وحينئذ يسري التنافي الى عالم الجعل فيكون جعل كلا التكليفين لغواً لأن المكلف غير قادر على امتثالهما وإنما المعقول هو جعل أحدهما وهذا معناه التنافي في عالم الجعل بمعنى ان جعل هذا التكليف يكذب جعل التكليف الآخر وحينئذ سوف يسري التنافي الى عالم الجعل فلا نعلم ما هو المجعول منهما وهذا معناه التعارض بلحاظ عالم الجعل