الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

في الدرس السابق ذكرنا أنه يمكن تأييد ما ذكرناه من عدم شمول الاخبار العلاجية لموارد التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه بما هو المعروف من أن حجية الخبر تعني ان لكل خبر تعبدات ثلاثة في المقامات الثلاثة الصدور وجهة الصدور والمضمون والتعبد معناه الغاء احتمال الخلاف فالتعبد بالصدور يعني الغاء احتمال عدم الصدور، والتعبد بجهة الصدور يعني الغاء احتمال صدور الخبر تقية، والتعبد بالظهور يعني الغاء احتمال ارادة خلاف الظاهر

والاحتمال الاخر انه تعبد واحد مفاده الغاء احتمال الخلاف في المقامات الثلاثة فكأنه تكون تعبدات ثلاثة ولكن ضمنية، وهذا هو الفرق بينه وبين الاول

وذكرنا بأنه لا فرق بين الرأيين في ما نريد اثباته وهو تاييد ما ذكرناه من ان الاخبار العلاجية لا تشمل محل الكلام والسر فيه إن هذا التفسير لحجية خبر الواحد يترتب عليه امران:

الاول: إن التبعيض في الحجية باعتبار الصدور غير متصور لأن المفروض أن التعبد بالصدور يختلف عن التعبدين الباقيين والسر هو أن الصدور أمر واحد بسيط يتعلق بالكلام فكيف يعقل التبعيض فيه بل إن امره يدور بين الاثبات والنفي

الامر الثاني: إنه لا بد أن نلتزم بعدم شمول الاخبار العلاجية لمحل الكلام في التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه فإن موضوع الاخبار العلاجية هو تعارض الحديثين في مقام الصدور والاختلاف والتعارض في مقام الصدور إنما يكون اذا فرضنا عدم إمكان العمل بمدلول الخبرين المتعارضين معاً فيتعارضان لأن التعبد بصدورهما حينئذٍ يكون لغواً وبلا فائدة، وانطباق هذا الكلام في موارد التعارض بنحو التباين واضح

وأما في محل الكلام فإن موضوع الاخبار العلاجية غير متحقق لأن موضوعها التعارض في الصدور وهو يتوقف على عدم إمكان العمل بمدلولهما معاً، وفي محل الكلام يمكن العمل بمدلول كل منهما ولو في الجملة فلا يكون التعبد بصدورهما محال فلا يتحقق التعارض بينهما في مقام الصدور فلا تشملهما الاخبار العلاجية

وهذا لا يفرق فيه بين أن نقول بالرأي الاول او الرأي الثاني لأنه على كلا الرايين يوجد تعبد بالصدور غاية الامر انه تارة يكون مستقلاً واخرى يكون ضمنياً

فعلى كلا التقديرين التعبد بصدور المتعارضين إذا كان لا يمكن العمل بمدلولهما معاً يوجب التعارض بينهما في مقام الصدور لأن عدم إمكان العمل بهما معاً يعني لغوية التعبد بهما معاً، وهذا غير متحقق في محل الكلام فإنه يمكن العمل بهما معاً ولو بلحاظ بعض المدلول، فهما لا يتعارضان في مقام الصدور إذ لا مانع من افتراض صدورهما معاً

وهذا يعني أنه بناء على هذين الرأيين المشهورين لا تكون الاخبار العلاجية شاملة لموارد التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه، بخلاف التعارض بنحو التباين فإن المتعارضين بنحو التباين لا يمكن العمل بهما معاً فيستحيل التعبد بصدورهما معاً

ويتبين مما تقدم عدم شمول الاخبار العلاجية لموارد التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه

وعليه يتعين الالتزام فيهما بالتساقط في مادة الاجتماع بعد الفراغ عن عدم شمول أخبار التخيير لهذا المورد، وحينئذ لا يفرق بين أن يكون في أحد العامين مرجح من المرجحات المنصوصة او لا فعلى كلا التقديرين يتساقطان، إما لعدم المرجح او لأن هذا المرجح لا دليل على الترجيح به لأن الدليل بحسب الفرض هو أخبار الترجيح والمفروض إنها لا تشمل محل الكلام

وأما في مادتي الافتراق فالظاهر أنه لا موجب لسقوطهما عن الحجية بلحاظها

وهذا وإن كان تبعيضاً في الحجية، الا أنه ليس بمحال فإن التبعيض في الحجية الذي يكون غير معقول هو التبعيض في الحجية في الصدور لأن الصدور أمر واحد بسيط لا تعدد فيه، ولا مشكلة في الالتزام بالتبعيض في الحجية في المدلول، بأن نقول ان هذا الخبر الصادر دلالته على ثبوت حكمه في مادة الاجتماع تسقط عن الحجية بينما دلالته على حكمه في مادة الافتراق تبقى على حجيتها، وهذا هو معنى الكلام المعروف من أن الدلالات الضمنية غير متلازمة في الحجية بمعنى أن سقوط احدى الدلالات الضمنية لا يستلزم سقوط الباقي

ومن هنا يظهر بأننا في إثبات الحجية للعام في مادة افتراقه لا نحتاج الى دليل خاص بل يكفي دليل الحجية العام فإنه دل على حجيته بحسب الفرض فإن النوبة لا تصل الى التعارض الا بعد فرض حجية كلا الخبرين بقطع النظر عن التعارض، فدليل الحجية العام دل على حجية هذا الخبر ولولا المعارض لكانت الدلالات الضمنية كلها حجة وما يوجبه التعارض هو سقوط دلالة الدليل على ثبوت حكمه في مادة الاجتماع لوجود المعارض اما دلالته على ثبوت حكمه في مادة الافتراق فتبقى على حالها

مسألة: على القول بالترجيح ولو في خصوص التعارض بنحو التباين -كما انتهينا اليه - بالمرجحات المنصوصة

يقع الكلام في الترتيب بين هذه المرجحات فيما لو وقع التزاحم بينها

وهذا تارة يطرح بلحاظ ادلة الترجيح وماذا يستفاد منها، واخرى يطرح لا بلحاظ ادلة الترجيح كما اذا فرضنا اننا لم نستفد الترتيب من ادلة الترجيح فيقع البحث عن الترتيب بلحاظ طبيعة هذه المرجحات

اما البحث الاول فتقدم الكلام عنه وانتهينا الى ان هناك ترتيباً بين الترجيح بموافقة الكتاب والترجيح بمخالفة العامة فقد دل الدليل على ذلك ومع وجود دليل على الترتيب بينهما فيجب العمل به بلا اشكال، ولكن باقي المرجحات لم ينهض دليل على الترتيب بينها او فيما بينها وبين الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة

ومن هنا يقع الكلام في البحث الثاني وهو انه في المرجحات التي تم الدليل على الترجيح بها ولم يقم دليل خاص على الترتيب فيما بينها فهل يوجد ترتيب بينها بلحاظ طبيعة المرجح او لا؟

وهذا السؤال إنما يطرح باعتبار أن المرجحات تختلف طبيعتها فبعضها يرجع الى اصل الصدور من قبيل الاوثقية والاصدقية وامثالهما، وبعضها يرجع الى جهة الصدور بمعنى انها توجب تقوية صدور الخبر لبيان الحكم الواقعي في قبال معارضه الذي يقوى فيه احتمال الصدور تقية من قبيل مخالفة العامة، وهناك مرجح مضموني ولعل موافقة الكتاب وشهرة المضمون من هذا القبيل

ويقع الكلام فيما اذا حصل تزاحم بين مرجح صدوري وبين مرجح آخر جهتي او مضموني فيقع الكلام هل يقدم ما فيه المرجح الصدوري على ما فيه المرجح الجهتي او يتقدم ما فيه المرجح الجهتي، او لا يتقدم احدهما على الاخر

ونحن تطرقنا الى هذا البحث ولكن لم ندخل بتفاصيله

وذكرنا بأن الشيخ الانصاري التزم بتقديم المرجح الصدوري على باقي المرجحات عند حصول التزاحم