الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/11/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

اتماما لكلام السيد الشهيد (قده) نقول انه ذكر في الترجيح بمخالفة العامة بأنه يمكن تخريج الترجيح على القاعدة بدون الرجوع الى اخبار الترجيح وذلك بتطبيق قاعدة من قواعد الجمع العرفي وهي قاعدة تقديم النص او الاظهر على الظاهر وفي محل الكلام نريد تطبيق هذه القاعدة في مرحلة الدلالة التصديقية الجدية لا في مرحلة الدلالة التصورية الاستعمالية باعتبار أن الحديث المخالف للعامة يكون نصاً في الجدية وعدم التقية بالقياس الى الخبر الموافق لهم، بينما الخبر الموافق لهم فاحتمال التقية فيه وارد وان كان ظاهره الجدية، وهنا يدعى بأن العرف في حالة من هذا القبيل يجعل الخبر المخالف للعامة الذي هو نص في عدم التقية قرينة على كون الخبر الموافق للعامة صدر تقية لا لبيان الحكم الواقعي وحينئذ نصل الى هذه النتيجة من دون ان نرجع الى اخبار الترجيح، فهو جمع عرفي بين الدليلين ولكن بلحاظ الدلالة التصديقية الجدية لا بلحاظ الدلالة الاستعمالية التصورية

نعم لا تصل النوبة الى هذا الجمع العرفي لعلاج حالة التعارض اذا امكن علاج حالة التعارض على مستوى الدلالة الاستعمالية التصورية، فإنه لو امكن الجمع الدلالي في مرحلة الدلالة الاستعمالية يكون مقدماً على الجمع الدلالي في مرحلة الدلالة التصديقية الجدية

فاذا فرضنا انه تعذر الجمع الدلالي في مرحلة الدلالة الاستعمالية وتعذره يعني استحكام التعارض بين الدليلين في مرحلة الدلالة الاستعمالية وحينئذ تصل النوبة الى الجمع العرفي بينهما بلحاظ الدلالة التصديقية الجدية فيأتي هذا الكلام

ومقتضى الجمع بين الدليلين هو حمل الخبر الموافق للعامة على التقية تطبيقاً لقاعدة تقديم النص او الاظهر على الظاهر ففي هذه المرحلة يكون الخبر المخالف للعامة نصاً في الجدية بينما الخبر الموافق ظاهر في الجدية فيقدم النص على الظاهر، وهذا معناه تقديم الخبر المخالف للعامة بدون الرجوع الى الاخبار العلاجية

ويمثل لذلك بمسألة طهارة الكتابي فهناك طائفة من الاخبار تدل على طهارته وهي نص في الطهارة وطائفة ثانية ظاهرة في نجاسته، ومقتضى الجمع بين الدليلين بلحاظ مرحلة الدلالة التصورية الاستعمالية هو حمل اخبار النجاسة على التنزيه والكراهة جمعاً بينها وبين ما هو نص في الطهارة، وهذا نظير حمل الاخبار الآمرة بالشيء على الاستحباب عندما تعارض بأخبار صريحة في الاباحة وعدم الوجوب، وكذا اذا كان خبر صريح في الاباحة وعدم التحريم وخبر ظاهر في التحريم فيحمل ما يدل على التحريم على الكراهة

وهكذا ما نحن فيه فمقتضى الجمع بينهما هو حمل الدليل الدال على النجاسة على التنزه، فالصحيح انه يحكم بطهارة الكتابي ولكن يكره مساورته

ومقتضى الجمع بينهما في المرحلة الجدية هو حمل اخبار الطهارة على التقية لأن العامة متفقون على الطهارة فأخبار النجاسة لا يوجد فيها احتمال التقية فتكون نصاً في الجدية بينما اخبار الطهارة ظاهرة في الجدية

وهذه النتيجة معاكسة لنتيجة الجمع العرفي الاول

والقاعدة انه اذا امكن الجمع العرفي الاول فيتعين حينئذ الالتزام بأخبار الطهارة وحمل اخبار النجاسة على التنزيه، ولكن لو تعذر هذا الجمع لسبب ما فحينئذ تصل النوبة الى الجمع العرفي الثاني وحينئذ تحمل أخبار الطهارة على التقية

هذا في موارد التعارض بنحو التباين، ونفس الكلام يقال في موراد التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه، بمعنى انه اذا لم يمكن الجمع بين المتعارضين في مرحلة الدلالة الاستعمالية تصل النوبة الى الجمع الدلالي بينهما في مرحلة الدلالة الجدية

وفي محل الكلام في العامين من وجه نفترض تعذر الجمع الدلالي بينهما في مرحلة الدلالة الاستعمالية فتصل النوبة الى الجمع على مستوى الدلالة الجدية فيقال لدينا خبراً مخالفاً للعامة وآخر موافق لهم فنطبق قاعدة من قواعد الجمع العرفي فيقدم الخبر المخالف على الخبر الموافق في مرحلة الارادة الجدية فيقال بأن الخبر المخالف صدر لبيان الحكم الواقعي بينما الخبر الموافق للعامة صدر تقية لأن المخالف نص في عدم التقية بينما الموافق ظاهر في عدم التقية فيتصرف في الظاهر لصالح الاظهر

وهذا التخريج للعمل بهذا المرجح مبني على تمامية دعوى ان هذا جمع عرفي لا انه جمع تبرعي وان العرف بعد تعذر الجمع الدلالي على مستوى الدلالة الاستعمالية يجعل الخبر المخالف للعامة قرينة على حمل الموافق لهم على التقية، على غرار الجمع العرفي بين العام والخاص بتخصيص العام

فمن يؤمن بهذا الشيء يكون هذا الكلام لديه تاماً ومن لا يستظهر هذا المطلب فلا يمكن تخريجه على هذا الاساس

مما يؤيد عدم شمول الاخبار العلاجية لموارد التعارض بين الدليلين بنحو العموم والخصوص من وجه، انه في مسألة حجية الخبر هناك رايان

الاول: هو المعروف وهو الالتزام بأن هناك ثلاث تعبدات بلحاظ المقامات الثلاثة للخبر تعبد بالصدور وتعبد بجهة الصدور وتعبد بالمدلول

وواضح ان الاثر لا يترتب على كل واحد من هذه التعبدات على حدة، بل الاثر لا يترتب الا على مجموع هذه التعبدات الثلاثة

والرأي الآخر: أن هناك تعبد واحد وهو التعبد بهذا الخبر وهو ينحل الى تعبدات ضمنية بهذه المقامات الثلاثة

والفرق بينهما ان التعبدات الثلاثة استقلالية او ضمنية ، فهل التعبد واحد ينحل الى تعبدات ثلاثة او هو تعبدات متعددة

وبناءً على ما هو المعروف يأتي ما تقدم من أن التبعيض في الحجية بلحاظ الصدور غير متصور أصلاً باعتبار أن المتعبد به هو الصدور وهو أمر واحد بسيط غير قابل للتعدد ويدور امره بين النفي والاثبات ومتعلقه هو الكلام فلا يتصور التبعيض فيه بأن يكون هناك تعبد بالصدور بلحاظ بعض الخبر ولا يوجد تعبد بصدوره بلحاظ البعض الآخر، فإما أن نلغي إحتمال الخلاف فيه او لا فلا يعقل الغاء احتمال عدم الصدور بلحاظ بعض المضمون دون البعض الآخر

فالتبعيض في الحجية بلحاظ الصدور غير متصور وهذا يستلزم عدم شمول الاخبار العلاجية لموارد التعارض بنحو العموم والخصوص من وجه لأن موضوع الاخبار العلاجية هو تعارض الخبرين في مقام الصدور

والتعارض في مقام الصدور انما يتعقل عندما لا يمكن العمل بمدلول كل واحد من الدليلين المتعارضين وحينئذ يكون التعبد بصدورهما لغو وبلا فائدة، وحينئذ يتعارضان ويتحقق موضوع الاخبار العلاجية فترجح احدهما او تخير بينهما

وهذا المطلب يكون واضحاً في التعارض بنحو التباين لانه لا يمكن العمل بكل منهما واما في محل الكلام فموضوع الاخبار العلاجية غير متحقق فيه