الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/10/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

كان الكلام في ما ذكره السيد الخوئي (قده) في تقسيم الامر الى ثلاثة اقسام وكان الحديث فيما اذا كان عموم كل من العامين من وجه مستفاداً من مقدمات الحكمة واستشكل في تطبيق المرجحات الواردة في الاخبار عليه، بنكتة ان اخبار العلاج والترجيح بالمرجحات انما تثبت في الحديثين المتعارضين والاطلاق ليس حديثاً

والسيد الشهيد ذكر محتملات في كلامه

المحتمل الاول ان يكون مقصوده ان الاطلاق مستفاد من السكوت والحديث عبارة عن الكلام ولا يصدق على السكوت،

ومن هنا اشكل عليه

اولاً: بما تقدم من ان المقصود بالحديث هو كل نقل لما هو حجة سواء نقل كلاماً او نقل فعلاً او تقريراً او سكوتاً وفي محل الكلام هذا حديث بلا اشكال غاية الامر ان الناقل نقل لنا السكوت الدال على الحكم الشرعي فيكون مشمولاً للروايات الدالة على الترجيح

وثانياً: ان السكوت ومقدمات الحكمة تعتبر عرفاً حيثيات تعليلية لظهور الكلام ودلالته فحينئذ يكون الاطلاق مدلولاً للكلام وليس سكوتاً بحتاً، فالسكوت ليس حيثية تقيدية حتى تؤخذ فيه ويقال بأن الاطلاق سكوت، بل هو حيثية تعليلية توجب ظهور الكلام في الاطلاق، فالاطلاق ظهور للكلام بعلة السكوت، ولا اقل من أن يقال بأن الاطلاق مدلول عرفي للكلام

ومن هنا يظهر انه بناءً على هذا الكلام الذي نقلناه عن السيد الشهيد (قده) لا بد ان تكون النتيجة بهذا الشكل:

بناءً على شمول اخبار الترجيح للتعارض بنحو العموم من وجه فالصحيح عدم الفرق بين ما اذا كان العموم في العامين من وجه مستفاداً من الوضع او من الاطلاق ففي كل منهما يمكن الترجيح حينئذ

الى هنا استعرضنا كلمات الاعلام الثلاثة في هذه المسألة وذكرنا الملاحظات على ما ذكره المحقق النائيني (قده) وان سقوط العام في مورد افتراقه بعد تقديم العام الاخر عليه ليس بلا مبرر، لانه اذا فرضنا ان اخبار الترجيح تشمل العامين من وجه وفرضنا الالتزام بعدم امكان التفكيك بين مورد الاجتماع ومورد الافتراق فان مجموع هذين الامرين يكون دليلاً على سقوط العام الآخر حتى في مادة افتراقه، والا لزم التفكيك

ومن هنا لا بد من تحقيق هاتين المسالتين:

الاولى: هل تشمل الاخبار العلاجية موارد التعارض بنحو العموم من وجه

الثانية: هل يمكن التفكيك بين مادة الاجتماع ومادة الافتراق

ويلاحظ على ما ذكره السيد الخوئي (قده)

اولا: ان ما ذكره من ان الحجية تتعدد باعتبار المدلول ولذا يمكن فيها التبعيض وانتهى الى انه لا مانع من التبعيض في الحجية في محل الكلام، يلاحظ عليه ما تقدم من اننا نتكلم عن حجية كلام الراوي لا حجية كلام المعصوم وكلام الراوي له مدلول واحد ولا دلالات متعددة له، وانما التعدد في مدلول كلام الامام (عليه السلام) وكلامنا ليس في حجية كلام الامام

ومن هنا يتبين الجواب عن السؤال الثاني من السؤالين اللذين طرحناهما وهو أنه لا يمكن التفكيك بينهما في الحجية فان كلام الراوي يدور امره بين ان يكون حجة او لا يكون حجة

الثانية: لو سلمنا بإمكان التفكيك ثبوتاً بين مادة الاجتماع ومادة الافتراق ولو بالبيان الذي ذكره السيد الشهيد، فلا دليل عليه اثباتا، فان الدليل عليه اثباتاً هو اخبار الترجيح فاذا قلنا بشمولها للتعارض بنحو العموم والخصوص من وجه، وضممنا الى ذلك ما ذكره المحقق النائيني (قده) من ان اسقاط احد العامين من وجه حتى في مورد افتراقه بلا موجب فسوف يكون هذا بنفسه دليلا على التفكيك بين مادة الاجتماع ومادة الافتراق

فالدليل على التفكيك اثباتاً هو اخبار الترجيح بضميمة انه لا مبرر لسقوط احد العامين من وجه في مادة افتراقه

فاذا اثبتنا ان اخبار الترجيح لا تشمل محل الكلام فقدنا الدليل الاثباتي على التفكيك وسنثبت ان اخبار الترجيح لا تشمل محل الكلام، فالصحيح حتى لو قلنا بامكان التفكيك ثبوتاً ولكن لا دليل عليه اثباتاً

والدليل على عدم شمولها لمحل الكلام بدعوى ان الوارد في اخبار الترجيح وما افترض موضوعاً للترجيح بالمرجحات المنصوصة هو الحديث وهذا العنوان لا ينطبق على الدلالة الضمنية للحديث فهو ينطبق على نفس الحديث دون المداليل التحليلية الضمنية له

فلو قال القائل (اكرم العلماء) فهذا الكلام الواحد له دلالات ضمنية لانه يدل على وجوب اكرام هذا العالم وذاك العالم ولكن هل ينطبق عنوان الحديث على كل دلالة من هذه الدلالات؟، المدعى ان هذا ممنوع

وفي اخبار الترجيح ورد (اذا ورد عليكم حديثان ....) هنا لا يمكن ان نقول بشمول هذه الاخبار للعامين من وجه بان يدعى بان هذا العام دلالته على حكمه في مادة الاجتماع غير دلالته على حكمه في مادة الافتراق والتعارض في دلالتهما على حكمهما في مادتي الاجتماع ولا تعارض في دلالتهما على حكمهما في مادتي الافتراق

هذا ممنوع لان الحديث لا يصدق على الدلالات الضمنية واخبار الترجيح تقول اذا ورد عليكم حديثان

بعبارة اخرى ان التمسك باخبار الترجيح في العامين من وجه ان كان المقصود منه هو اسقاط احد المتعارضين حتى في مادة افتراقه فهذا خلاف ظاهر اخبار الترجيح لما تقدم من انها بصدد علاج مورد التعارض لاسقاط المعارض ولا معنى لشمولها لما يكون خارجاً عن مورد التعارض كمادة الافتراق

وإن كان المقصود هو اسقاط احد الخبرين فقط في مادة الاجتماع دون مادة الافتراق فهذا خلاف ظاهر اخبار الترجيح باعتبار ان الوارد فيها هو عنوان الحديث فتكون ظاهرة في اسقاط الحديث الاخر، والدلالة الضمنية ليست حديثاً

فلو سلمنا بالامكان الثبوتي للتبعيض في الحجية والتفكيك بين مادتي الاجتماع والافتراق فلا دليل على ذلك اثباتاً

وبناءً على هذا فلا بد ان نلتزم بان الاخبار العلاجية تختص بموارد التعارض بنحو التباين ولا تشمل موارد العموم من وجه

فاذا ورد عندنا عامان من وجه ووجد في احدهما مرجح من المرجحات المنصوصة دون الاخر -فاذا تم هذا الكلام الى هنا- لا يصح تقديمه على الاخر في مادة الاجتماع بل مطلقاً لا يصح تقديمه استنادا الى اخبار الترجيح لما عرفت من انها لا تشمل هذه الحالة بل لا بد ان نلتزم بسقوطهما في مادة الاجتماع بل لا بد ان نلتزم بسقوطهما مطلقا