الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

كان الكلام في ما طرحه السيد الخوئي (قده) من انه مع الشك في اعتبار مرجح من المرجحات يدخل الامر في دوران الامر بين التعيين والتخيير على تقدير تمامية الادلة على التخيير ومعه لا بد من التعيين اي تقديم المرجح الذي يشك في الترجيح به

وهذا المطلب في حد نفسه لا يخلو من اشكال لانه يعني الترجيح بكل ميزة ولا نقتصر على المرجحات المنصوصة

هذا اذا قلنا بتمامية الادلة على التخيير واما اذا قلنا بعدم تمامية الادلة على التخيير ترتفع المشكلة

وقلنا بان هذا الاشكال قد يوسع ويذكر حتى اذا لم تقم الادلة على التخيير واحتملنا التخيير مع احتمال الترجيح بالمرجح الموجود في احد الخبرين فهنا قد يقال بانه هنا ايضا يدور الامر بين التعيين والتخيير، لان هذا الخبر صاحب المزية اما حجة تعيينا على تقدير ان تكون المزية مرجحة واقعا واما حجة تخييرا فكان دوران الامر بين التعيين والتخيير لا يتوقف على قيام الادلة على التخيير بل يكفي فيه احتمال التخيير

والجواب عنه بان الامر ليس هكذا فان فائدة قيام الادلة على التخيير هو انه ينفي احتمال التساقط لان التخيير يعني وجوب الاخذ باحد الخبرين وهذا معناه نفي التساقط فحينئذ يصح ان يقال بان الامر يدور بين التعيين وبين التخيير

واما اذا فرضنا ان الادلة لم تتم على التخيير وانما احتملنا التخيير فقط فان هذا لا ينفي احتمال التساقط بل احتمال التساقط يبقى قائماً ومع احتمال التساقط يمنع من دخول المقام في دوران الامر بين التعيين والتخيير فلا يمكن القول بان هذا الخبر حجة اما تعيينا او تخييرا فيوجد احتمال ثالث بان يكون هذا الخبر لا هو حجة تعيينا لان المزية لم يثبت الترجيح بها واقعا ولا هو حجة تخييرا لان التخيير غير ثابت وانما هو يسقط عن الاعتبار باعتبار ان التساقط غير منتفي، فمع عدم قيام الدليل على التخيير فالمقام لا يدخل في دوران الامر بين التعيين والتخيير

فما ذكره السيد الخوئي الظاهر انه تام فلو تم الدليل على التخيير نرجح بكل مزية وان لم يثبت الترجيح بها واما حيث لم يثبت التخيير كما هو الصحيح فحينئذ لا يدخل المقام في دوران الامر بين التعيين والتخيير

مطلب اخر: تقدم سابقاً عدم نهوض الادلة التي استدل بها سابقا على التخيير لاثبات التخيير وان كنا ذكرنا ان ما ذكره الشيخ الكليني يحتمل انه يمكن الاعتماد على هذه العبارة ولكنها لا تخرج عن كونها رواية مرسلة يصعب الاعتماد عليها وان كان هو يعتمد عليها

فلم يتم الدليل على التخيير، ومقتضى القاعدة الاولية هو التساقط ويستدل له بالدليل العام وهو ان دليل الحجية لا يمكن ان يشمل كلا الخبرين لتنافيهما ولا يشمل احد الخبرين المعين لانه ترجيح بلا مرجح ولا يشمل احدهما غير المعين بالمعنى المعقول له لان هذا معناه التخيير والمفروض انه لم يتم الدليل عليه فحينئذ يتعين التساقط

ومن هنا يظهر ان البحث المعروف بينهم من ان التخير هل هو تخيير ابتدائي او هو تخيير استمراري لا مجال له بناء على هذا الراي لانه لم يدل الدليل على التخيير بين الدليلين المتعارضين

لكن لا بأس بالتعرض له اجمالاً بناء على ثبوت التخيير

فوقع الكلام بينهم ان التخيير على تقدير ثبوته هل هو تخيير ابتدائي او هو تخيير استمراري والمراد بالتخيير الابتدائي هو ان المكلف مخير في الواقعة الاولى بين ان يعمل باحد الدليلين الاول او الثاني لكن اذا اختار احد الدليلين في الواقعة الاولي فلا بد ان يعمل بما اختاره اولا في الواقعة الثانية والوقائع الاتية فالتخيير يثبت له في اول واقعة يواجهها

بخلاف ما اذا قلنا بان التخيير استمراري فانه يجوز له ان يختار في الواقعة الثانية غير ما اختاره في الواقعة الاولى وهكذا في ما بعدها

والكلام يقع تارة بلحاظ مقتضى القاعدة الاولية واخرى بلحاظ الادلة الخاصة التي تشمل حتى الاصول

والذي يبدو بلحاظ القاعدة ان الصحيح هو ان التخيير ابتدائي لا استمراري باعتبار ان المكلف اذا اختار احد الدليلين في الواقعة الاولى فلو عرضت له الواقعة الثانية فلو اختار نفس ما اختاره في الواقعة الاولى فلا شك عنده في حجية ما اختاره لانه على كل حال ما اختاره يكون حجة سواء قلنا بان التخيير ابتدائي او استمراري فهو يقطع بحجيته بينما اذا اختار خلاف ما اختاره فلا علم بحجية ما اختاره بل هناك شك في حجيته وهو ينشأ من التردد بين ان يكون التخيير ابتدائياً او استمرارياً

واما بلحاظ الادلة فهناك دليلان ذكرا في الكفاية وغيرها لاثبات ان التخيير استمراري

الاول: اطلاقات ادلة التخيير لاثبات التخيير بعد اختيار احد الدليلين في الواقعة الاولى

الثاني: استصحاب بقاء التخيير الثابت له قبل اختيار احد الدليلين في الواقعة الاولى

واعترض على هذين الدليلين

اما الدليل الاول فباعتبار ان هذه الاخبار والاطلاقات مسوقة لبيان حكم المتحير الذي لا يعرف وظيفته ولم يختر احد الدليلين ولم يثبت عليه حجية احد الدليلين فلا تشمل المكلف في الواقعة الثانية لانه قام عنده الدليل على الحكم وهو ما اختاره في الواقعة الاولى فقد خرج عن التحير في الواقعة الثانية فقد قامت عنده الحجة على احد الدليلين فثبتت عنده حجية احد الدليلين ومن هنا استشكل في شمول هذه الاطلاقات للمكلف في الواقعة الثانية

وهذا الاشكال في الحقيقة لا مستند له بمعنى انه ليس في شيء من روايات التخيير اشارة الى ان موضوع هذه الروايات هو المتحير والظاهر انهم استفادوا ذلك من خلال سؤال السائل حول وظيفته العملية عند وجود خبرين متعارضين ففهم انه انسان متحير لا يعلم وظيفته العملية، فالتحير بالنسبة الى وظيفته العملية ففي هكذا حالة يمكن ان تكون وظيفته التخيير الابتدائي ويمكن ان تكون التخيير الاستمراري وهذا التحير بالنسبة الى التخيير الابتدائي والتخيير الاستمراري لا يرتفع عند اختيار احد الدليلين في الواقعة الاولى ففي الواقعة الثانية هو ايضاً لا يعلم أن وظيفته هي التخيير الابتدائي فلا يجوز ان يختار خلاف ما اختاره في الواقعة الاولى او ان وظيفته التخيير الاستمراري فيجوز ان يختار خلاف ما اختاره فيها وهذا معناه ان موضوع المطلقات المستفاد من ادلة التخيير باقي حتى في الواقعة الثانية وما بعدها

هذا اذا استنبطنا ان الموضوع لتلك المطلقات هو المتحير ،ولكن موضوع الادلة هو تعارض الخبرين وهو باقي ولا يرتفع باختيار احد الدليلين في الواقعة الاولى واذا كان الموضوع باق في الواقعة الثانية تشمله اخبار التخيير وهذا ينتج ان التخيير استمراري

فان استفدنا من اخبار التخيير ان موضوعها هو المتحير فالمراد به هو المتحير في الوظيفة العملية لانه لم يرد المتحير في شيء من الاخبار وانما استفيد ذلك من السؤال والجواب وهذا التحير في الوظيفة العملية باق ةلا يرتفع باختيار احد الخبرين في الواقعة الاولى

واذا لاحظنا الادلة فالماخوذ فيها هو تعارض الخبرين وهذا الموضوع باقي حتى بعد اختيار احد الخبرين في الواقعة الاولى

واما الاستصحاب فقالوا بأن هذا الاستصحاب لا يجري لتبدل الموضوع فإن موضوعه المتحير فبعد ان يختار احد الدليلين فحينئذ يزول عنه التحير في الواقعة الثانية فاذا كان التحير هو موضوع الاستصحاب وانه يزول في الواقعة الثانية فلا يمكن اجراء الاستصحاب لتبدل الموضوع ولذا لا يمكن اثبات التخيير الاستمراري بالاستصحاب لتبدل الموضوع

وجوابه نفس الجواب السابق تقريبا وانه لو سلمنا ان موضوع الاستصحاب هو المتحير فالمقصود به المتردد في تشخيص وظيفته العملية وهذا التحير باقي حتى في الواقعة الثانية فالمكلف لا يدري ما هي وظيفته العملية في الواقعة الثانية وهل هي التخيير الابتدائي او الاستمراري فالتحير باقي ولا يتبدل المكلف من كونه متحيراً في الواقعة الاولى الى كونه غير متحير في الواقعة الثانية

فاذا تم الاستصحاب وتجاوزنا الاشكالات التي سياتي التعرض لها فمنع الاستصحاب من هذه الجهة لا وجه له