41/06/27
الموضوع: الاخبار العلاجية
كان الكلام في الترتيب بين المرجحات وقلنا بأنه قد يقال لا توجد طولية بين المرجحات إذ لا يمكن استفادة الطولية والترتيب من ادلة الترجيح لما أشرنا اليه من ان الترتيب انتزع من أسئلة متعددة واجوبة متعددة
فلو فرضنا أن المرجحات كانت في عرض واحد فيجوز له أن يرجح بأحد هذه المرجحات، وهذا نظير قوله أعتق رقبة في كفارة إفطار شهر رمضان
ولكن قلنا بأن صاحب الكفاية أشار الى نكتة وهي مهمة جداً حيث انه ربط بين الترتيب وبين مسألة التعدي عن المرجحات فإنه يرى أن التعدي عن المرجحات المنصوصة يقتضي عدم وجود ترتيب بين المرجحات ولذا ذكر بأننا إن بنينا على التعدي الى غير المرجحات المنصوصة فعدم الترتيب يكون واضحاً لأننا بالتعدي نكون قد الغينا خصوصية هذه المرجحات وانما تمام الخصوصية هو أن هذا المرجح يوجب أقربية الخبر الحاوي له الى الواقع ولذا نتعدى الى كل ما يوجب الاقربية الى الواقع، وحينئذ لا معنى للبحث عن الترتيب والطولية وإنما علينا ان ننظر هل أن المزية توجب الاقربية للواقع او لا؟، فالتعدي يلازم عدم وجود ترتيب وطولية
فاذا علمنا بان هذه المزية توجب الاقربية الى الواقع نرجح بها وان لم نعلم بذلك فلا بد من الرجوع الى القواعد الأخرى كان نلتزم بالتخيير او التساقط إذا قلنا بذلك
واما إذا لم نقل بالتعدي فالترتيب لا بد أن نستفيده من ادلة الترجيح نفسها، وهي لا يستفاد منها الترتيب والطولية اذ لا يمكن التمسك بدلالة المقبولة مثلاً على ذلك لأن هذا منافي لاطلاق الروايات التي تقتصر على مرجح واحد او مرجحين فلدينا روايات ترجح بمخالفة العامة ومقتضى اطلاقها الترجيح بهذا المرجح مطلقاً سواء كان الخبر المقابل له واجداً للصفات المذكورة في المقبولة قبل هذا المرجح او لا
فبناءً على استفادة الترتيب من المقبولة لا بد من تقييد هذا الاطلاقوتقييد هذه المطلقات على كثرتها أمر صعب جداً ولذا لا بد من حمل المقبولة على معنى ينسجم مع هذه المطلقات بأن نقول انها ليست واردة لبيان الترتيب بين هذه المرجحات بل هي بصدد بيان أن هذا مرجح فقط
وباعتبار أن المحقق الخراساني ربط بين مسألة الترتيب بين المرجحات وبين مسألة التعدي الى غير المرجحات المنصوصة فلا بد أن نبحث أولاً عن جواز التعدي، وثانياً قي صحة الملازمة التي ذكرها، فالكلام يقع في مقامين:
المقام الأول: في التعدي عن المرجحات المنصوصة
وقد طرح الشيخ هذا البحث في الرسائل وهو مذكور قبله، وواضح من كلماتهم انهم لا يخصون هذه المسألة في الترجيح بالصفات بل هي اعم، والشيخ اتعب نفسه في هذا المجال فقد استعرض جملة من كلمات الفقهاء والاصوليين في دليل الانسداد واستظهر منها عدم الاقتصار على المرجحات المنصوصة، بل يظهر منه أنه يدعي الاتفاق على ذلك حتى انه ذكر بأن تتبع كلماتهم يوجب الظن القوي بل القطع بأنهم يبنون على الأخذ بكل مزية، ولكن في المقابل من الواضح أن الشيخ الكليني قد اقتصر على المرجحات المنصوصة، مضافاً الى أن الكلمات التي استشهد بها الشيخ على ذهابهم الى التعدي لا يمكن أن تحقق الاجماع التعبدي إذا كان مقصوده الاستدلال بالاجماع لانهم استندوا الى وجوه مذكورة في نفس الكلمات فينبغي استبعاد مسألة الاتفاق والاجماع، نعم ذكر الشيخ الانصاري وجوهاً أخرى للتعدي:
الوجه الأولى: إن تمام ملاك الترجيح بالأصدقية في الحديث في المقبولة والترجيح بالأوثقية في المرفوعة بحسب المناسبات الارتكازية هو الطريقية والكشف عن الواقع فاعتبارهما ليس امراً تعبدياً صرفاً حتى نضطر الى الاقتصار عليهما، ولذا يمكن التعدي الى كل ما يكون مثلهما في الكشف عن الواقع وطريق للواقع
والمناقشة في هذا:أولا: إننا منعنا سابقاً من أن تكون الصفات من المرجحات في محل الكلام، وقلنا بأن الرواية ناظرة الى ترجيح أحد الحكمين على الاخر
وثانيا: كيف نعلم بأن تمام الملاك في الترجيح بالاصدقية والأوثقية هو القرب الى الواقع، بل نحتمل ان هناك خصوصية يمكن دخلها في ذلك بنحو يكون هذا المرجح تعبدياً صرفاً ولا يمكن التعدي الى غيرها ولعله يشهد لذلك هو اقتران الترجيح بالأفقهية بالترجيح بالصفتين، فان الترجيح بالأفقهية ليس من باب الكشف عن الواقع بل هو تعبد صرف
ثالثا: ما يذكر في مبحث حجية خبر الثقة من امكان التعدي من خبر الثقة الى كل ما يكون أقرب الى الواقع وإن لم يكن خبراً باعتبار أن المناسبات الارتكازية دالة على أن جعل الحجية لخبر الثقة لا لخصوصية فيه وإنما هو باعتبار كشفه عن الواقع، فإذا فرضنا أن الشهرة كاشفة عن الواقع بنفس الدرجة التي يكشف بها خبر الثقة او أشد منها فلا بد أن نستفيد حجية الشهرة من نفس الأدلة الدالة على حجية خبر الثقة
وهذا الاستدلال نفس الاستدلال في المقام والجواب عنه هو الجواب وهو لو سلمنا بأن كشف الخبر نوعاً عن الواقع دخيل في جعل الحجية لخبر الثقة، ولكنه إنما يكون دخيلاً بنظر الشارع، فلا نتعدى الى كل ما يكون كاشفاً عن الواقع لأننا نحتمل أن تكون خصوصية في خبر الواحد دخيلة في جعل الحجية لخبر الواحد
وفي المقام لو قلنا بأن الترجيح بالاصدقية والأوثقية باعتبار كشفهما عن الواقع ولكن هذا لا يعني الغاء خصوصية الأصدقية والأوثقية بل لعل أن لهما دخل في الترجيح
الوجه الثاني: أن الامام (عليه السلام) علل الترجيح بالشهرة (بأن المجمع عليه لا ريب فيه) وليس المراد نفي الريب مطلقاً ومن جميع الجهات كالصدور والدلالة والجهة، فإن نفي الريب من جميع الجهات يساوق القطع بالخبر من جميع الجهات ولا معنى حينئذ لافتراض الشهرة في كلا الخبرين المتعارضين كما افترضه السائل
فالمقصود نفي الريب الإضافي، بمعنى أن الشاذ لشذوذه فيه ريب ليس موجوداً في المشهور وهذا يستفاد منه إمكان التعدي الى كل مزية موجودة في أحد الخبرين ليست موجودة في الخبر الاخر ببيان أن الحاوي على المزية لا ريب فيه بالإضافة الى الخبر غير الحاوي عليها