الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

ذكرنا الاعتراض الثالث على الاستدلال بالمقبولة على الترجيح بالصفات وكان حاصله أن الاحكام المذكورة في المقبولة بما فيها الترجيح بالصفات مقيدة بحال التمكن من لقاء الامام بقرينة ما ذكر في ذيلها (أرجئه حتى تلقى امامك) فلا يمكن الاستدلال بها على محل الكلام

وذكرنا الجواب الأول ودفعه بأن المعترض يعتمد على أن المخاطب بكل الاحكام المذكورة في المقبولة شخص واحد، ودلت القرينة على أن المراد به هو المتمكن من لقاء الامام (عليه السلام)، وهذا لا يمكن الجواب عنه بأن رجوع القيد الى الجملة الأخيرة لا يلازم رجوعه الى كل الجمل، وقلنا بأنه لا يفرق في ذلك بين أن تكون القضية خارجية او حقيقية، فإن معنى كون القضية حقيقية افتراض وجود سائل يسأل هذه الأسئلة المتعددة، ولكن المفروض ان المخاطب في جميع الأسئلة شخص واحد فاذا فهم من ذيل الرواية أنه المتمكن من لقاء الامام يفهم أن المراد به في جميع هذه الاحكام هو المتمكن من لقاء الامام

الجواب الثاني: لو بنينا على أنه لا إطلاق في الخطابات السابقة لما ذكره المعترض، ولكن يمكن اثبات عدم اختصاص الترجيح بالصفات بالمتمكن من لقاء الامام، فإن اختصاص الخطاب الأخير بالمتمكن من لقاء الامام امر طبيعي وعرفي فان تعليق الامر بالإرجاء على التمكن من لقاء الامام امر معقول وعرفي، بينما اختصاص خطاب الترجيح بالصفات بالمتمكن من لقاء الامام ليس عرفياً فان هذه قضية موضوعية واقعية خارجية ولا معنى لتقييدها بصورة التمكن من لقاء الامام

وبهذه النكتة العرفية يمكن منع اختصاص الترجيح بالصفات بخصوص المتمكن من لقاء الامام وإن منعنا من إطلاق الخطابات السابقة، وهذا هو الجواب الصحيح عن الاعتراض الثالث

وقبل أن ننهي البحث عن اخبار الترجيح نشير الى أن الصفات المذكورة في المقبولة أربعة وهي الاورعية والاصدقية في الحديث والافقهية والاعدلية

ويمكن ارجاع الاورعية والاعدلية أحدهما الى الأخرى فالمقصود بالاعدل هو الأشد التزاماً بما يريده الشارع وهو نفس معنى الاورعية، فتكون صفات الترجيح المذكورة في الرواية ثلاثة

وهناك بحث في أن هذه الأمور الثلاثة هل لها خصوصية بحيث لا يمكن التعدي الى غيرها من الصفات او أنها ذكرت من باب المثال لكل ما يوجب مزية لأحد الخبرين على الاخر بحيث توجب اقربيته للواقع

لا يبعد القول بالتعدي ويكون ذكر هذه الأمور من باب المثال، ويمكن ذكر مؤيدين لذلك

الأول: إن هذه الأمور الثلاثة تختلف في ماهياتها فإن الترجيح بالاعدلية يرتبط بشدة الالتزام بالدين والاستقامة على جادة الشرع، بينما الاصدقية في الحديث ترتبط بالتحرز عن الكذب ونقل خلاف الواقع في مقام نقل الاخبار، والافقهية ترتبط بباب الفهم والاستنباط، فليست هي جارية على منوال واحد

واختلاف الصفات ذاتاً مع وضوح عدم جامع بينها عرفاً يكون مؤيداً لأنها ذكرت من باب المثالية وان الترجيح يكون لكل ما يوجب مزية لاحد الخبرين تكون موجبة للاقربية الى الواقع

الثاني: إن قول السائل (قلت فانهما عدلان مرضيان عند اصحابنا لا يفضل واحد منهما على الاخر) يفهم منه ان السائل فهم من كلام الامام المتقدم ان الميزان هو مطلق وجود التفاضل لاحدهما على الاخر

ومن هنا يتبين عدم تمامية الاعتراض الثاني والثالث على الاستدلال بالمقبولة على الترجيح بالصفات، وأما الاعتراض الأول فهو مقبول وكان حاصله أن الرواية وإن دلت على الترجيح بالصفات الا ان هذا مختص بترجيح أحد الحكمين على الاخر فتكون اجنبية عن محل الكلام

وقد تبين مما تقدم في اخبار الترجيح، إن الترجيح بالصفات ناظر الى ترجيح أحد الحكمين على الاخر وليس ناظراً الى محل الكلام

وإن الترجيح بالاحدثية غير ثابت في محل الكلام بالرغم من صحة بعض الروايات سنداً فإنها ظاهرة في الفراغ عن صدور الحديثين، بينما كلامنا في الخبرين الظنيين فنحتمل عدم صدور كل منهما

وأما الترجيح بالشهرة فهو أجنبي عن محل الكلام فالروايات ناظرة الى باب تمييز الحجة عن اللاحجة

فلم يبق من المرجحات الا موافقة الكتاب ومخالفة العامة فقد دلت عليه المقبولة وكذلك رواية الراوندي، فاذا صححنا سندها تتم لدينا روايتين على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة

ومن هنا يظهر انه لا داعي للدخول في بحث الترتيب والطولية بين المرجحات لأننا أنكرنا ثبوت هذه المرجحات

وأما مسألة الترتيب بين الترجيح بموافقة الكتاب والترجيح بمخالفة العامة فقد طرحنا هذه المسألة وانتهينا الى الترتيب بينهما بمعنى أن الترجيح بموافقة الكتاب متقدم على الترجيح بمخالفة العامة، فالخبر الموافق للكتاب يقدم وإن كان موافقاً للعامة على المخالف للكتاب وإن كان مخالفاً للعامة، فإن بنينا على صحة رواية الراوندي تكون دليلاً عليه والا تكون مؤيدة لما فهمناه من المقبولة

قلنا إن اخبار العلاج على ثلاثة طوائف:

الأولى: اخبار التخيير

الثانية: اخبار الترجيح

الثالثة: اخبار التوقف والارجاء

إشارة: قد استعرضنا ستة اخبار قد يستدل بها على التخيير في الأخذ بأحد الخبرين في حالة التعارض وانتهينا هناك الى ان من بين هذه الاخبار خبرين تامين سنداً الا أن دلالتهما ليست تامة على التخيير وهما صحيحة علي بن مهزيار وموثقة سماعة، وأما الرواية الرابعة والخامسة وهما رواية الحسن بن الجهم ورواية الحارث بن المغيرة فهما ضعيفتان سنداً، واما الرواية الثانية وهي مكاتبة الحميري فقلنا بأنها حتى لو كانت تامة سنداً الا انها غير تامة دلالة لأنها لا تدل على التخيير في المسألة الأصولية، واما الرواية السادسة وهي مرسلة الشيخ الكليني التي نقلها في ذيل موثقة سماعة، فقلنا بانها إن كانت نفس الروايات السابقة فتقدمت مناقشتها وإن كانت غيرها فهي مرسلة، وقلنا بأن مقتضى حسن الظن بالشيخ الكليني ودقته وتقدمه زماناً فيمكن أن تصل اليه هذه الرواية وقد اعتمد عليها والتزم بالتخيير كما في ديباجة الكافي فلا بد أنها قد وصلت اليه بطريق قطعي او طريق معتبر

ونفس هذا الكلام يطرح في موارد عديدة كما في مراسيل الشيخ الصدوق (قده)، ونحن وإن ذكرنا وجهاً نستظهر منه امكان الاعتماد على هذه المراسيل إذا صدرت من مثل الشيخ الكليني والصدوق بضرس قاطع كما لو قال: قال الصادق او انه عمل بها، ولكن مع ذلك هذا الوجه ليس واضحاً في التعويل على هذه الرواية لإثبات التخيير بين الحديثين المتعارضين

لأن هذا لا يزيد على أن الكليني قطع بصدور هذه الرواية الواصلة اليه، ولكن ليس من الواضح أن القرائن التي استند اليها واورثت له القطع بالصدور أن يحصل لنا القطع لو اطلعنا عليها

ومن هنا يظهر أن الصحيح في المقام إذا لم يثبت شيء من اخبار العلاج أن نرجع الى القاعدة الأولية الدالة على التساقط