الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

كان الكلام في الطائفة الرابعة الدالة على الترجيح بصفات الراوي وقلنا بأن العمدة هي المقبولة وقد اعترض على الاستدلال بها على الترجيح باعتراضين:

الأول: ان الرواية واردة في مقام ترجيح أحد الحكمين على الاخر وليست ناظرة الى محل الكلام في ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، وكان الاعتراض لا باس به

الاعتراض الثاني: إن الترجيح بالصفات في محل الكلام لا يحتاج الى دليل خاص لأنه على القاعدة باعتبار انه يدخل في باب تمييز الحجة عن اللاحجة والسر في هذا ان دليل الحجية لا يشمل الخبر الذي يرويه الثقة في قبال الخبر الذي يرويه الاوثق كما لا يشمل الخبر الذي يرويه الصادق في قبال الخبر الذي يرويه الاصدق فتكون الرواية الدالة على ترجيح الخبر الاوثق والاصدق في مقام تمييز الحجة لأن الثاني لا يشمله دليل الحجية فتدخل هذه الرواية في باب تمييز الحجة عن اللاحجة وهذا لا يحتاج الى دليل خاص بل هو على القاعدة

باعتبار ان ملاك الحجية هو الوثوق بالصدور ولا يبقى وثوق بصدور خبر الثقة عندما يعارضه خبر الاوثق، فالأخبار الدالة على ترجيح الخبر الاوثق تدخل في باب تمييز الحجة عن اللاحجة فلا يصح الاستدلال بها في محل الكلام

وايد ذلك بان سيرة العقلاء جارية على الاخذ بخبر الاوثق عندما يتعارض مع خبر الثقة، وهذا معناه ان القضية ليست تعبدية وليست بحاجة الى دليل خاص فيرون ان الوثوق ينسلب عن خبر الثقة عندما يعارضه خبر الاوثق

ويمكن الجواب عن هذا الاعتراض بان يقال بان الاوثقية ليست واردة في الاخبار بل الوارد فيها هو الاصدقية والافقهية والاورعية، نعم وردت الاوثقية في المرفوعة وتقدم انها ساقطة سنداً، والاصدقية او الاوثقية اذا كانت ترجع الى مسألة الضبط في الموارد التي يحتمل فيها الخطأ والاشتباه في نقل الحديث بافتراض ان الراوي لهذا الحديث يكون اكثر ضبطاً من راوي الحديث الاخر فما ذكره من دخول المقام في باب تمييز الحجة عن اللاحجة ليس ببعيد، والسر فيه ان الخبر الذي يرويه الأكثر ضبطاً مع التعارض يصلح ان يكون امارة على وقوع الخطأ والاشتباه في الخبر الاخر فلا تجري فيه اصالة عدم الخطأ واصالة عدم الغفلة لوجود امارة على خلافها، وهما اصلان لا بد من جريانهما في كل خبر نريد العمل به فيسقط الخبر عن الاعتبار، فيمكن ادراج المقام في باب تمييز الحجة عن اللاحجة

وأما اذا قلنا بأن مسالة الاصدقية لا علاقة لها بمسألة الضبط وانما هي ترجع الى شدة الصدق في الحديث وشدة التورع عن نقل خلاف الواقع، ويرجع بالاخرة الى شدة التمسك بالدين، وحينئذ لا يكون هذا الاعتراض وارداً باعتبار ان تقديم خبر الأشد ورعاً وتديناً على خبر غيره مع فرض تدينه وتحرزه عن الكذب لا يكون الا باعتبار دليل، فهو امر تعبدي فان كل منهما واجد لشرائط الحجية وكون الخبر المعارض يرويه الأشد ورعاً لا يستوجب سقوط الخبر الاخر عن الحجية، فالتقديم يحتاج الى دليل خاص، فيدخل في باب ترجيح احدى الحجتين على الأخرى، والصحيح هو الثاني فإن الاصدقية في المقبولة لا علاقة لها بمسألة الضبط فيدخل في باب ترجيح احدى الحجتين على الأخرى ويحتاج الى دليل خاص

مضافاً الى أن الترجيح بالاضبطية يتم في موارد خاصة كاختلاف النسخ في كتاب واحد او اختلاف السند في رواية واحدة في النسخ المتعددة، ولا تأتي في كل تعارض كما هو محل الكلام كما لو حصل التعارض نتيجة للتقية

هذا كله إذا سلمنا بأن الوثوق ينسلب عن خبر الصادق والثقة عند معارضته لخبر الاوثق والاصدق، الا أن هذا ليس واضحاً على كل حال

الاعتراض الثالث: وهو اعتراض عام يجري في سائر المرجحات التي ذكرت في المقبولة أيضاً، وخلاصته إن المقبولة وامثالها مختصة بصورة التمكن من لقاء الامام (عليه السلام)، فهي لا تشمل من يعيش في زمان الغيبة وكذلك لا تشمل من يعيش في زمان الحضور ولا يتمكن من لقاء الامام (عليه السلام)، فلا يصح لنا الاستدلال بها على الترجيح بالصفات، كما لا يصح ذلك للموجود في زمان الحضور ولا يتمكن من لقاء الامام (عليه السلام)، باعتبار ما ورد في ذيل المقبولة بعد أن ذكر المرجحات من قوله (أرجئه حتى تلقى امامك) وهذا ظاهر في أن الامام يفترض تمكن السائل من لقاء الامام، فمعناه أن المخاطب بهذه الخطابات هو المتمكن من لقاء الامام فتختص به

ومرجع هذا الاعتراض الى المناقشة في تمامية الاطلاق في الاحكام السابقة، فلا اشكال في أن هذه الغاية (حتى تلقى امامك) قيد في الحكم الأخير، وهي إن لم تكن قيداً في الاحكام السابقة فلا اقل من أن تكون مانعة من انعقاد الاطلاق فيها

واجيب عنه: بأن جعل التمكن من لقاء الامام غاية في ذيل الرواية قرينة واضحة على اختصاص الحكم الأخير في الرواية وهو الحكم بالارجاء بصورة التمكن من لقاء الامام، ولكن لا يلزم من وروده على خصوص الجملة الأخيرة ان يكون قيداً في الجمل السابقة،

وهذا الجواب يمكن التأمل فيه باعتبار ان المعترض يستدل على شمول القيد لكل الخطابات بان المخاطب بهذه الخطابات المتعددة المشتملة على احكام متعددة هو مخاطب واحد فإذا ثبت ان المراد بالمخاطب بالخطاب الأخير هو خصوص المتمكن من لقاء الامام فحينئذ تختص جميع الخطابات بالمتمكن من لقاء الامام لأنه مخاطب واحد

وهذا لا يفرق فيه بين ان تكون القضية حقيقية وان تكون خارجية