41/06/21
الموضوع: الاخبار العلاجية
الطائفة الرابعة: ما دل على الترجيح بالصفات والعمدة في هذه الروايات هي مقبولة عمر بن حنظلة، وقد وردت الصفات في المرفوعة ولكن حيث انها لا اعتبار بها عند الجميع نركز الكلام على المقبولة، والوارد في المقبولة هو (قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا، بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما ـ إلى أن قال : ـ فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلف فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ فقال : ((الحكم ما حكم به أعدلهما ، وأفقههما ، وأصدقهما ، في الحديث ، وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر)) [1] فذكر الاعدلية والافقهية والاصدقية في الحديث فيقدم احد الحديثين على الاخر على هذا الاساس
واعترض على الاستدلال بالرواية على الترجيح بالصفات باعتراضين:الاول: إن الترجيح بالصفات في هذه الرواية لم يجعل مرجحاً لاحدى الروايتين على الاخرى وانما جعل من مرجحات أحد الحكمين على الحكم الاخر ومحل الكلام هو الاول لا الثاني، فالحاكم إذا كان اصدق يقدم حكمه على الاخر، وهذا ليس له علاقة بمحل الكلام في تقديم احدى الروايتين على الاخرى عند التعارض
ولا مجال للتعدي لمحل الكلام فإن تقديم حكم حاكم على آخر على أساس الصفات لا علاقة له بتقديم رواية يرويها شخص على اخرى، والرواية وإن انتقلت بعد ذلك الى الترجيح بين الحديثين ولكن الفقرة التي يستدل بها على الترجيح بالصفات كانت قبل ذلك، فبعد أن افترض السائل التساوي بالصفات بقوله (قال : فقلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على صاحبه) انتقل الى الترجيح بين الحديثين اللذين استند اليهما الحاكمان في حكمهما (قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به ، المجمع عليه عند أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا)
قالوا: ولأجل ذلك لم يذكر الشيخ الكليني (قده) الصفات من مرجحات باب التعارض
وذكر الشيخ الانصاري (قده) بأنه لم يذكرها لوضوح كونها من المرجحات، ولكن من الواضح بأن الترجيح بالصفات ليس بأوضح من الترجيح بموافقة الكتاب ومع ذلك ذكرها، بالاضافة الى أن وضوح هذا الامر لا يستدعي عدم ذكرها خصوصاً وأنه في مقام تعداد المرجحات
وبناءً على هذا يشكل ما هو متعارف في كلمات المتأخرين من تقديم الرواية الصحيحة على الرواية الموثقة عندما يقع التعارض بينهما، وعدم التقديم مما استقرت عليه اراء متأخري المتأخرين وإنما يتعامل معهما معاملة المتعارضين
ونظير المقبولة في كونها غير ناظرة الى محل الكلام روايتانالاولى: معتبرة داود بن الحصين ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في رجلين اتّفقا على عدلين ، جعلاهما بينهما في حكم ،وقع بينهما فيه خلاف ، فرضيا بالعدلين ، فاختلف العدلان بينهما ، عن قول أيّهما يمضي الحكم ؟ قال : ((ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما ، فينفذ حكمه ، ولا يلتفت إلى الآخر))[2] وهي تامة سنداً فإن طريق الشيخ الصدوق الى داود بن الحصين تام وإن كان فيه الحكم بن مسكين الثقفي الذي لم ينص على وثاقته ولكن روى عنه ابن ابي عمير والبزنطي بطرق معتبرة
مضافاً الى الشيخ الطوسي (قده) قد روى الرواية في التهذيب بسند فيه الحسن بن موسى الخشاب وهو لم ينص على وثاقته ولكن ذكر النجاشي في ترجمته (من وجوه اصحابنا كثير العلم والحديث له مصنفات) وهذه العبارة لا تقل عن التوثيق، فالرواية معتبرة بكلا الطريقين
وواضح أنها في مقام ترجيح أحد الحكمين على الآخر وليست ناظرة الى الحديثين اللذين استند اليهما الحاكمان
الثانية: رواية موسى بن أكيل ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ منازعة في حقّ ، فيتّفقان على رجلين يكونان بينهما ، فحكما فاختلفا فيما حكما ، قال : وكيف يختلفان ؟ قلت : حكم كلّ واحد منهما للّذي اختاره الخصمان ، فقال : ((ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله ، فيمضى حكمه))[3] وهي ناظرة الى ترجيح أحد الحكمين على الآخر على أساس الاصدقية والافقهية والاورعية، وأما من حيث السند فإن سند الشيخ الطوسي الى محمد بن علي بن محبوب صحيح، وأما ذبيان بن حكيم فهو لم ينص على وثاقته ولكن ذكر النجاشي في ترجمة ابن اخيه احمد بن يحيى بن حكيم (عرف احمد بانه ابن اخي ذبيان) وهذا لا يظهر منه الا كون ذبيان من المعاريف، ونحن لا نبني على كفاية كون الشخص من المعاريف ولم يقدح فيه في توثيقه، فتكون الرواية غير تامة سنداً، وهي واردة في غير محل الكلام لأنها تدل على الترجيح بالصفات في تقديم أحد الحكمين على الاخر، وهذا لا علاقة له بمحل الكلام
وقد يقال: بأنه يمكن الاستدلال بهذه الرواية على الترجيح في محل الكلام بأن يقال بأنّ منشأ اختلاف الحكمين هو اختلاف المستند الذي يستند اليه الحاكمان فهناك روايتان مختلفتان استند الى كل منهما احد الحاكمين، فيستفاد من ترجيح أحد الحكمين على الآخر بالصفات إن هذه الصفات مرجحة لمنشأ الحكم، وايد هذا بدعوى أن الاصدقية انما تناسب الرواية ولا تناسب الحكم
وجوابه: من الواضح أن المراد بالاصدقية في الرواية هو أصدقية أحد الحاكمين، ولا ملازمة بينها وبين اصدقية الرواية التي يستند اليها في مقام الحكم، فقد تكون الرواية التي استند اليها الاصدق أضعف من الرواية الاخرى، مع وضوح أن منشأ اختلاف الحكمين هو اختلاف الروايتين اللتين استند اليهما الحاكمان كما هو ظاهر الرواية، ولكن لا ملازمة في أن نستفيد من ذلك أن ترجيح أحد الحكمين بالصفات لكون هذه الصفات مرجحة لمنشأ الحكم
فلا مانع من أن نفترض أن الصفات مرجحة في باب الحكم باعتبار أنها توجب الاطمئنان في كون الحكم اقرب الى الواقع من حكم الاخر بأن يكون الافقه والاورع ادق في استفادة الحكم من مدركه وهذا لا علاقة له بأن يكون موجباً للترجيح في باب الحديثين