41/06/20
الموضوع: الاخبار العلاجية
كان الكلام في روايتي أبو عمرو الكناني ومرسلة الحسين بن المختار التي استدل بهما على الترجيح بالاحدثية
وكانت المناقشة الأولى هو دعوى اختصاصهما بالخبرين مقطوعي الصدور وذكرنا القرائن على هذا الاختصاص فلا يمكن التعدي لمظنوني الصدور الذي هو محل الكلام
والمناقشة الثانية ان الروايات ظاهرة بالاختصاص بمن كان معاصراً لصدور الحديث المتأخر فلا تشمل من يعيش في زمان الغيبة ولم يعاصر الحديث الثاني
المناقشة الأخرى: وهي ترجع الى دعوى اختصاص الحديثين بزمان الحضور وعدم شمولهما لزمان الغيبة الذي هو محل الكلام، وهذا تارة نستدل عليه بما ذكرناه من وجود قرائن في الروايات تشهد لذلك من قبيل قوله (ثمَّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه ، فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك) وقوله (ثمَّ جئتني من قابل فحدَّثتك بخلافه، بأيّهما كنت تأخذ)، وحاصل هذا الوجه ان يقال بان الذي يظهر من هذه الروايات ان وجوب الاخذ بالمتاخر صدوراً ليس لمجرد كونه متاخر بالقياس الى المتقدم حتى يمكن تطبيقه في زمان الغيبة، بل إن علة لزوم الاخذ بالمتاخر زماناً هو أن المتأخر زماناً يبين ما هي الوظيفة الفعلية للمكلف من دون فرق بين أن تمثل هذه الوظيفة الحكم الواقعي الاولي كما اذا فرضنا ان الحكم الصادر اولاً كان قد صدر تقية، او الحكم الثانوي الصادر تقية كما لو كان الحكم المتقدم زماناً حكماً اولياً بينما حدثت ظروف اوجبت صدور الحكم الثاني تقية، وهذا الحكم المتأخر يجب العمل به فعلى كل حال يجب العمل بالخبر المتأخر لأنه يتضمن بيان الوظيفة الفعلية للمكلفين وهذا هو السر في هذه الروايات الامرة بالعمل بالمتاخر زماناً، فليس الامر بالعمل بالمتاخر صدوراً لانه متاخر، وانما لكونه يحدد الوظيفة الفعلية على ضوء ظروف التقية التي تمر بالامام (عليه السلام) واتباع الامام فالحديث المتأخر يتضمن بيان الحكم الفعلي للمكلفين ويحتمل انه صدر بداعي التقية وهذا يختص بمن يكون عاش ظرف التقية حتى يكون هذا هو حكمه الفعلي واما نحن فلم نعش ذاك الظرف حتى يبين المتاخر زماناً الحكم الفعلي لنا فلا يشمل من يعيش في زمان الغيبة
والذي يدل على هذا المعنى امران:الاول: إن نفس الراوي التفت الى أنه لا بد من تقديم المتأخر زماناً وهذا يعني أن الاخذ بالاحدث قضية واضحة مركوزة في ذهن العرف بشكل عام، والواضح في ذهن العرف ليس هو تقديم الاحدث باعتبار كشفه عن الحكم الواقعي بحيث يكون كشف المتأخر زماناً عن الحكم الواقعي أكبر من كشف المتقدم عنه فإن هذا شيء لا يدركه الارتكاز بل لا فرق بينهما بلحاظ الكشف عن الحكم الواقعي
والشيء المعقول الذي ينسجم مع افتراض أن تقديم المتأخر امر ارتكازي وواضح جداً هو أن التقديم لا لمجرد التقدم والتاخر الزماني بل باعتبار أن الحديث الثاني يتضمن بيان الوظيفة الفعلية التي يجب على المكلف اتباعها
الثاني: ما ورد في ذيل رواية الكناني ( أبى الله إلاّ أن يعبد سرّاً)[1] وذكر التقية ايضاً فقال: (ابى الله عز وجل لنا في دينه الا التقية) وواضح انه ناظر لبيان الحكم الفعلي الذي قد يكون حكماً واقعياً وقد يكون حكماً ثانوياً صدر بداعي التقية، فاذا كان الحكم الثاني صادراً لاجل التقية التي كانت لاجل الظروف في ذلك الزمان فكيف يشمل هذا الحكم من يعيش بعد مئات السنين في زمان الغيبة من دون أن تكون هناك ظروف تقية موجودة لذا يختص هذا بزمان الحضور ولا يشمل زمان الغيبة
الامر الخامس: ما ذكره جماعة من أنه يلزم من العمل بهذه الروايات خصوصاً رواية الكناني الغاء جميع روايات التعارض الدالة على التخيير او الترجيح بمخالفة العامة وموافقة الكتاب او الترجيح بالشهرة او الصفات اذا قلنا بانهما من المرجحات او الاخبار الدالة على التوقف او الارجاء، فاذا اخذنا برواية الكناني يلزم الغاء كل هذه الاخبار وبقائها بلا مورد، وهذا لا يمكن الالتزام به فهناك اتفاق بأن التعارض واقع بين الاخبار وذهب بعضهم الى التساقط واخر الى التوقف او الى الارجاء او الترجيح بالصفات وهكذا
بيان الملازمة: إن كل حديثين متعارضين لا بد من افتراض تقدم أحدهما على الاخر لأن افتراض صدورهما في آن واحد احتمال بعيد، وتارة نحرز تقدم احدهما على الاخر كما لو صدرا من امامين متعددين واخرى لا نحرز ذلك كما لو صدرا من امام واحد فيشتبه حالهما، فاذا قلنا بأن مفاد هذه الروايات هو لزوم طرح الحديث المتقدم صدوره زماناً باعتبار أنه لا يتضمن حكماً واقعياً يجب العمل به، فهو إما أن يكون صدر لبيان الحكم التقيتي او أنه صدر لبيان الحكم الواقعي لكن لا يجب العمل به فعلاً، واذا اشتبه الحال كما لو صدرا من امام واحد فسوف يدخل المقام في باب اشتباه الحجة باللاحجة فإن المتقدم زماناً يسقط عن الاعتبار لأنه لا يتضمن حكماً واقعياً يجب العمل به
فعلى كل حال إما أن يسقط الحديث المتقدم عن الاعتبار او يسقط كل منهما عن الاعتبار، فلا يمكن العمل بأخبار التعارض، فبعد سقوط احد الحديثين عن الاعتبار لا معنى للتخيير بينهما ولا الترجيح، فكل اخبار التعارض سوف تتعطل وتبقى بلا مورد.