الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/06/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موجبات الضمان

(مسألة 230): إذا أعنف الرجل بزوجته جماعاً في قبل أو دبر، أو ضمّها إليه بعنف، فماتت الزوجة، فلا قود، ولكن يضمن الدية في ماله، وكذلك الحال في الزوجة إذا أعنفت بزوجها فمات[1]

نذكر تنبيهين يرتبطان بالبحث السابق:

الاول: قلنا ان الرواية التي يرويها الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق (قدهما) عن عبد الرحمن بن سالم عن ابيه غير تامة سندا لان عبد الرحمن مجهول وكذلك اباه سالم بن عبد الرحمن الاشل، ولكن يبدو ان الامر ليس بهذا الشكل فان الاب قد وثقه الغضائري صريحاً فقال: (عَبْدُالرحمان بنُ سالِم بن عَبْدِالرحمان ، الأشَلُّ ، كُوْفيٌّ ، مولى ، روى عن أبي بَصِيْر . ضَعِيْفٌ . وأبُوهُ ثِقَةٌ ، روى عن أبي جَعْفَر ، وأبي عَبْداللّه (عليهما السلام)) [2] ولا معارض لهذا التوثيق، واما الابن فقد ضعفه الغضائري وفي المقابل هناك قرائن على توثيقه، منها رواية المشايخ الثلاث عنه فقد روى ابن ابي عمير عنه في جملة من الموارد منها في الكافي [3] وكذلك روى عنه البزنطي في التهذيب[4] ، فمن يعمل ابن الغضائري لا يمكن ان يبني على وثاقته، وقد تعرضنا سابقاً لمسألة تعارض التضعيف الخاص مع التوثيقات العامة

نعم حتى لو قلنا بوثاقة عبد الرحمن وابيه تبقى الرواية ضعيفة من جهة اخرى ففيها محمد بن علي والظاهر انه ابو سمينة الضعيف، فالرواية غير تامة سنداً

الثاني: قلنا انه يشكل العمل برواية المحاسن حتى لو تجاوزنا مشكلة التشكيك بالكتاب، فإن نسخة المحاسن تطرح أن البرقي يروي عن ابيه، ولكن كل من الشيخ الكليني والشيخ الطوسي ينقلان عن المحاسن رواية البرقي عن محمد بن اسلم، واذا لم نرجح ما شهد به العلمان الطوسي والكليني على الموجود في النسخة المتداولة فلا اقل من احتمال انه يروي عن محمد بن اسلم، وهذا التردد يكفي في عدم الاعتماد على الرواية

قد يقال بترجيح الموجود في النسخة المتداولة باعتبار أن البرقي لا يروي عن محمد بن اسلم مباشرة وانما يروي عنه بواسطة في موارد كثيرة وهي غالبا ما تكون محمد بن علي ابو سمينة، ورواية احمد بن محمد بن خالد عن ابيه كثيرة ومتعارفة، فنجعل هذا قرينة على ترجيح ما موجود في المحاسن المتداولة على الموجود في الكافي والتهذيب فيحكم بصحة الرواية

ولكن تبين بعد المراجعة ان الشيخ الكليني ينقل في عدة موارد من الكافي عن احمد بن محمد بن خالد عن محمد بن اسلم مباشرة، وحمل كل هذه الموارد على الاشتباه لمجرد وجود روايات ينقل فيها عنه بالواسطة خلاف الانصاف، كما انه بحسب الطبقات لا مشكلة في روايته عنه مباشرة فان البرقي من الطبقة السابعة ومحمد بن اسلم من الطبقة السادسة، بل ان البرقي من اصحاب الامامين الجواد والهادي (عليهما السلام) كما صرح هو في كتابه ومحمد بن اسلم من اصحاب الامام الرضا (عليه السلام)، ومن هنا يظهر انه لا موجب لرفع اليد عن ظاهر كلام الشيخ الكليني والشيخ الطوسي (قدهما)

ثم قلنا تارة نبني على وحدة الرواية الموجودة في المحاسن وهي مرددة بين أن يرويها صاحب المحاسن عن ابيه عن هارون بن الجهم وبين أن يرويها عن محمد بن اسلم وحينئذ تسقط عن الاعتبار، واخرى نبني على تعدد الرواية بمعنى انه ذكر لها طريقين فلا مشكلة في الاخذ بسند الرواية الموجودة في المحاسن المتداولة

قد يقال يمكن اثبات صحة الرواية استناداً الى استفاضة الرواية فانها مروية بعدة طرق بقطع النظر عن صحة السند فإن الذي يروي عن الامام مباشرة ثلاثة اشخاص محمد بن مسلم وسالم بن عبد الرحمن الاشل عن ابي جعفر (عليه السلام) كما صرح بذلك الشيخ الصدوق وذكره الشيخ الطوسي ايضا، والحسين بن خالد وغيره عن الامام الرضا (عليه السلام) كما ذكره الطوسي، فكأن المضمون صدر من الامام الباقر والامام الرضا (عليهما السلام)

ورواية محمد بن مسلم عن الامام الباقر (عليه السلام) لها عدة طرق احدها الموجود في الكافي والثاني طريق الشيخ الطوسي والثالث طريق المحاسن، ورواية سالم الاشل رواها كل من الشيخ الطوسي في التهذيب والشيخ الصدوق في الفقيه، بينما رواية الحسين بن خالد وغيره فلها طريق واحد في التهذيب

أما رواية محمد بن مسلم فالظاهر أن لها طريق واحد وهو إما احمد بن محمد بن خالد عن ابيه عن هارون بن الجهم عن محمد بن مسلم وهو طريق صحيح كما هو الموجود في المحاسن المتداولة، او البرقي عن محمد بن اسلم عن هارون عن محمد بن مسلم كما هو الموجود في الكافي والتهذيب، لما تقدم بأن الاقرب هو ان الشيخ الكليني والطوسي (قدهما) أخذا الرواية من المحاسن وهو واضح بالنسبة الى الشيخ الطوسي وقريب جداً بالنسبة الى الكليني، فرواية المحاسن إما أن تكون مروية بالطريق الذي ذكره الشيخ الطوسي والكليني او بالطريق الموجود في المحاسن المتداولة

وأما رواية سالم الاشل فالظاهر أن لها طريق واحد وهو محمد بن احمد بن يحيى عن محمد بن ناجية عن محمد بن علي عن عبد الرحمن بن سالم عن ابيه، فالظاهر أن الشيخ والصدوق أخذاها من كتاب نوادر الحكمة، وأما رواية الحسين بن خالد فهي مأخوذة من كتاب الصفار لأن الشيخ يبدأ السند بالصفار، ومنه يظهر أن الرواية موجودة في ثلاثة كتب: المحاسن ونوادر الحكمة وأحد كتب الصفار،

قلنا أن الشيخ الطوسي والصدوق (قدهما) ذهبا الى أن الزوج اذا كان مأموناً ليس عليه شيء واستندا في ذلك الى مرسلة يونس بن عبد الرحمن المروية في الكافي وهي غير تامة سنداً بالارسال وإن وقع الكلام في مراسيل يونس فقد يقال بأن هناك مجال للأخذ بها باعتبار أن الاغلبية المطلقة في مشايخ يونس هم ثقات بحيث أن نسبة غير الثقات منهم قليلة جداً، بحيث يحصل الوثوق بأن هذا البعض من مشايخه الثقات

وبقطع النظر عن هذا هناك مشكلة في صالح بن سعيد، فلدينا صالح بن سعيد القماط وهو من اصحاب الصادق (عليه السلام) كما نص النجاشي، الا أن هذا لا يلائم صالحاً الواقع في هذه الرواية بحسب الطبقة لأنه يروي عن الامام الصادق (عليه السلام) بواسطتين، فيبدو أنه شخص اخر متأخر عن ذاك وهو مجهول ولا دليل على وثاقته، بل حتى لو قلنا بأنه القماط فلم تثبت وثاقته، سوى أنه من رجال تفسير علي بن ابراهيم، نعم ذكر النجاشي بأن كتابه رواه جماعة وهذا قد يفهم منه شيء من الاعتماد عليه، إلا أن هذا ليس واضحاً فإن قوله (رواه جماعة) ليس مثل (اعتمد عليه جماعة) ومن هنا تكون الرواية غير تامة سنداً، فلا يمكن تقييد المطلقات السابقة بهذه الرواية


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج42، ص278.
[2] الرجال، ابن الغضائري، ج1، ص74.
[3] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج5، ص498.
[4] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج2، ص37.