الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/06/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

كان الكلام في معتبرة محمد بن مسلم التي استدل بها على الترجيح بالاحدثية وذكرنا المناقشة الأولى وردها والثانية وجوابها وكان جواب المناقشة الثانية مبني على افتراض ان استبعاد محمد بن مسلم لصدور الحديث المخالف لما روي عن النبي عنهم ان هذا الاستبعاد لا يمكن فرضه الا اذا فرضنا حجية كلا الخبرين

فالمناقشة تبتني على ان الحديث الذي يروى عن النبي (صلى الله عليه واله) ليس حجة، وهذا لا ينسجم مع قول الراوي (لا يتهمون بالكذب)، وحينئذ فالمناقشة الثانية لا تتم فتكون الرواية من باب تمييز احدى الحجتين عن الحجة الأخرى

وقلنا اذا ارجعنا (لا يتهمون بالكذب) الى الاقوام يفهم منه عدم حجية هذا الخبر، ولكن بالرغم من هذا قلنا بان الرواية ليست من باب تمييز الحجة عن اللاحجة بقرينة تعجب محمد بن مسلم ان يصدر منهم ما يخالف ما روي عن النبي فاستغرابه على الأقل يفترض حجية كلا الخبرين، فالمناقشة الثانية غير تامة.

المناقشة الثالثة: إن الرواية اجنبية عن محل الكلام باعتبار أن الكلام في الخبرين الظنيين اللذين لا يوجد بينهما جمع عرفي ومورد الرواية هو الخبرين القطعيين صدوراً فإن ظاهر الرواية المفروغية عن صدور كلا الخبرين عن النبي (صلى الله عليه واله) والائمة (عليهم السلام) باعتبار ان الذي دفع محمد بن مسلم لسؤال الامام عن هذه الحالة هو المخالفة بين الخبرين ولم يفرض التشكيك في صدور كلا الخبرين او احدهما فهو قد ركز على المخالفة بعد فراغه عن الصدور وجواب الامام (عليه السلام) يعزز هذا الفهم فكأنه اقرّ ذلك وفسّره ب(ان الحديث ينسخ كما ينسخ القران) بالمعنى المقبول للنسخ، فإن ما صدر عنهم كاشف عن الناسخ الحقيقي، فالناسخ الحقيقي هو كلام النبي (صلى الله عليه واله) ولكن الناس لا يعرفونه وهم بينوه لهم، مضافاً الى أن الرواية عبرت (يجيء منكم خلافه) ولم يعبر (يجيء عنكم) وهذا واضح في افتراض الصدور لأنه نسب المجيء اليهم (عليهم السلام) فلو لم يفرض الصدور لكان المناسب ان يعبر (يجيء عنكم) اي يروى عنكم، وبذلك تكون الرواية اجنبية عن محل الكلام

فكأن الحديث اشارة والفات نظر الى ان الناس لا يعرفون الناسخ من المنسوخ والذي بيّن الناسخ هو النبي (صلى الله عليه واله) ولكنه بينه للائمة (عليهم السلام) ولم يبينه للناس فالرواية اجنبية عن محل الكلام ولا يستفاد من الرواية اعطاء قاعدة عامة في كل حديثين متعارضين احدهما متقدم على الاخر زماناً وانه لا بد من تقديم المتأخر زماناً على المتقدم ولا يبعد أن تكون هذه المناقشة تامة فتكون الرواية اجنبية عن محل الكلام

وأما رواية المعلى بن خنيس فنحن نرى تماميتها سنداً قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إذا جاء حديث عن أوَّلكم وحديث عن آخركم ، بأيّهما نأخذ ؟ فقال : ((خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيِّ ، فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله ، قال : ثمَّ قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إنّا ـ والله ـ لا ندخلكم إلاّ فيما يسعكم)) [1] والاستدلال بها مبني على أن تكون الرواية واردة في محل الكلام من التعارض المستقر فانه لو لم يكن تعارض فلا داعي لأن يسأل السائل بأيهما ناخذ بل يعمل بكليهما وكذا لا داعي للسؤال لو كان بينهما جمع عرفي فإنه يجمع بينهما جمعاً عرفياً، والاستدلال بها يكون بادعاء ان الضمير في قوله (خذوا به) يرجع الى الحديث الذي بلغهم عن اخرهم، فاذا لم يبلغهم عن الحي فلا بد من أن يأخذوا بالحديث المتأخر واذا بلغهم عن الحي فلا بد ان ياخذوا به وهو ارجاع الى المتاخر ايضاً

والمناقشة في الاستدلال بهذه الرواية هي ما ذكره معظم المحققين الذين تعرضوا لهذه الرواية من أن الرواية مختصة بزمان الحضور لانها تقول (حتى يبلغكم عن الحي) فهو يفترض معاصرة السائل لزمان الامام، فلا يمكن الاستدلال بها على الترجيح بالاحدثية في زمان الغيبة، فهي مختصة بزمان الحضور ومنشأ هذا الاختصاص هو ان الامام يكون اعرف باحوال زمانه والظروف العامة التي يعيش فيها الامام وشيعته من حيث كونها موجبة للتقية وعدمه، وهذا لا يمكن تعميمه لزمان الغيبة فإن ظروف الائمة بالنسبة الى زماننا واحدة، ثم ليس بالضرورة أن يكون الحكم المتاخر الذي تامر الرواية بالاخذ به حكماً واقعياً، وإنما هو يتضمن بيان وظيفة فعلية للمكلف عليه العمل بها أعم من أن يكون الحكم حكماً واقعياً او يكون حكماً صدر تقية فعلى كل تقدير يكون العمل بالحكم الاخير

المناقشة الثانية: إن الترجيح بالاحدثية حكم تعبدي على خلاف القواعد التي تقول بأن الاحكام الصادرة عن الائمة (عليهم السلام) ناظرة الى فترة زمنية واحدة وهي فترة بداية الشريعة وبهذا الاعتبار لا يكون هناك متقدم ومتأخر، فهم يقولون بانهم رواة عن النبي (صلى الله عليه واله)

ومعنى هذا ان هذه الاحاديث بلحاظ الطريقية والكاشفية على حد سواء ومجرد الاحدثية في البيان لا تقتضي الترجيح لانها بلحاظ الكشف عن الواقع بنفس الدرجة ومن هنا كان الترجيح بالاحدثية على خلاف القاعدة فينبغي الاقتصار فيه على مورد الرواية وقلنا بأن موردها هو زمان الحظور بالقرينة المتقدمة، ولذا فهذه المناقشة ترجع الى المناقشة الاولى

[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص109، أبواب صفات القاضي، باب9، ح8، ط آل البيت.