41/06/13
الموضوع: الاخبار العلاجية
الطائفة الثالثة: ما دل على الترجيح بالأحدثية، والمراد من الأحدثية أن يكون صدور أحد الخبرين متأخراً عن صدور الآخر، وإذا قلنا بهذا الترجيح فلا بد أن نلحظ في كل خبرين وقع بينهما التعارض زمان صدور كل منهما
خصوصاً إذا قلنا بأن الترجيح بالأحدثية متقدم على الترجيح بالشهرة والترجيح بموافقة الكتاب
وقد رفض المشهور الترجيح بالأحدية ولم ينسب الترجيح بالأحدثية الا الى الشيخ الصدوق (قده)، ونسبة هذا القول اليه مبني على كلام له موجود في الفقيه يفهم منه ذلك، ففي باب (الرجلين يوصى إليهما فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة )، قال: (كتب محمد بن الحسن الصفار (رضياللهعنه) إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) ) رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والاخر بالنصف؟ فوقع (عليه السلام)) :لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت ويعملان على حسب ما أمرهما إن شاء الله ))
وهذا التوقيع عندي بخطه ( عليهالسلام )
ثم قال: وفي كتاب محمد بن يعقوب الكليني (رحمهالله ) عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحسن الميثمي ، عن أخويه محمد وأحمد ، عن أبيهما ، عن داود بن أبي يزيد ، عن بريد بن معاوية قال : (إن رجلا مات وأوصى إلى رجلين فقال أحدهما لصاحبه خذ نصف ما ترك وأعطني النصف مما ترك فأبى عليه الآخر فسألوا أبا عبد الله ( عليهالسلام) عن ذلك فقال : ذاك له
قال مصنف هذا الكتاب ـ رحمهالله ـ : لست أفتى بهذا الحديث بل أفتى بما عندي بخط الحسن بن علي (عليهما السلام) ، ولو صح الخبران جميعا لكان الواجب الاخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق (عليه السلام) وذلك أن الاخبار لها وجوه ومعان وكل إمام أعلم بزمانه وأحكامه من غيره من الناس وبالله التوفيق)) [1] و استفاد جملة من المحققين من هذه الرواية انه ممن يرى الترجيح بالاحدثية، بل ظاهر العبارة انه يسند الترجيح بالاحدثية الى الامام الصادق (عليه السلام)
وذكر الشيخ صاحب الوسائل (قده) تعليقاً على الحديث السابع من الباب التاسع من ابواب صفات القاضي (أقول : يظهر من الصدوق أنه حمله على زمان الإِمام خاصّة ، فإنّه قال في توجيهه : إنَّ كلّ إمام أعلم بأحكام زمانه من غيره من الناس ، انتهى
وهو موافق لظاهر الحديث ، وعلى هذا يضعف الترجيح به في زمان الغيبة وفي تطاول الأزمنة)[2]
وما فهمه صاحب الوسائل ليس له وجه واضح فظاهر عبارة الصدوق انه يقول بالترجيح بالاحدثية، وكأنه يصرح بشيء اشبه بالكبرى فانه ذكر اولا (الذي افتي به هو الحديث الاخير) ثم ذكر (ولو صح الخبران لكان الواجب الاخذ بالاخير) فهو ترجيح للمتاخر زمناً على المتقدم زمناً، وليس في عباراته ما يشير الى ان ذلك مختص بزمان الامام
والروايات التي يستدل بها على الترجيح بالاحدثية هي ثلاث روايات الا أن السيد الخوئي (قده) أضاف رواية رابعة
الاولى: رواية أبي عمرو الكناني ، قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ((يا ابا عمرو ! أرأيت لو حدّثتك بحديث ، أو أفتيتك بفتيا ، ثمَّ جئتني بعد ذلك فسألتني عنه ، فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك ، أو أفتيتك بخلاف ذلك ، بأيّهما كنت تأخذ ؟ قلت : بأحدثهما ، وأدع الآخر ، فقال : قد أصبت يا ابا عمرو ، أبى الله إلاّ أن يعبد سرّاً ، أما والله لئن فعلتم ذلك إنّه لخير لي ولكم ، أبى الله عزَّ وجلَّ لنا في دينه إلاّ التقيّة))[3] فظاهرها هو لزوم الاخذ بالخبر المتاخر زمانا وترك المتقدم زمانا في حالة التعارض فان الامام (عليه السلام) قد فرض حالة التعارض بين الحديثين بقوله (حدثتك خلاف ذلك)، خصوصاً وأن الارتكاز يساعد على تقديم الخبر المتأخر زماناً
الثانية: رواية الحسين بن المختار ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : ((أرأيتك لو حدّثتك بحديث العام ، ثمَّ جئتني من قابل فحدَّثتك بخلافه ، بأيّهما كنت تأخذ ؟ قال : كنت آخذ بالأخير ، فقال لي : رحمك الله))[4] وهي نفس مضمون الرواية السابقة واذا فرضنا ان (بعض اصحابنا) الذي يروي عنه الحسين بن المختار هو ابو عمرو الكلابي تكون الرواية واحدة
الثالثة: رواية المعلّى بن خنيس ، قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إذا جاء حديث عن أوَّلكم وحديث عن آخركم ، بأيّهما نأخذ ؟ فقال : ((خذوا به حتّى يبلغكم عن الحيِّ ، فإن بلغكم عن الحيّ فخذوا بقوله ، قال : ثمَّ قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : إنّا ـ والله ـ لا ندخلكم إلاّ فيما يسعكم))[5] ، وقيل بانه يدل على الترجيح بالاحدثية لانه امرهم ان ياخذوا بالحديث الاخير حتى يبلغكم عن الحي
الرابعة: رواية محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : قلت له : ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان ، عن رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، لا يتّهمون بالكذب ، فيجيء منكم خلافه ؟ قال : ((إنَّ الحديث ينسخ كما ينسخ ، القرآن))[6] فيفهم منها لزوم الأخذ بالحديث المتأخر، وهي وان عبرت بالنسخ ولكن لا بد من الاخذ بالحديث المتاخر باعتباره ناسخا
اما الحديث الرابع فهو اجنبي عن محل الكلام لأننا ان ابقينا النسخ على معناه الحقيقي فبناء على امكان وقوع النسخ في الروايات، والرواية تقول ان الحديث ينسخ كما ينسخ القران فلا بد ان يكون ناسخ الحديث هو ما ينسخ القران، وعلى تقدير القول بنسخ القران بالخبر فلا بد من حمل الرواية على أن المراد بالرواية الناسخة هي القطعية لا الظنية فإنه لا يجوز نسخ القران بالخبر الظني، وحينئذ نخرج عن محل الكلام
واما إذا حملنا النسخ على معناه اللغوي أي ما يرفع الظهور حتى لو كان عموم او إطلاق فهذا خارج عن محل الكلام فإن الكلام في الخبرين الظنيين اللذين بينهما نسبة التباين او العموم والخصوص من وجه لا العموم والخصوص المطلق ففيه جمع عرفي ولا تصل النوبة الى مرجحات باب التعارض
واما الرواية الأولى فان ابي عمرو الكناني مجهول لم ينص على وثاقته، ولكن بالرغم من هذا عبر عنها السيد الخوئي (قده) بالصحيحة وقد يكون اعتمد على ما ذكره صاحب البحار نقلا عن والده المجلسي الأول (قدهما) من اتحاد أبو عمرو الكناني مع عبد الله بن سعيد بن حيان بن ابجر الكناني أبو عمر الطبيب شيخ من اصحابنا ثقة، ثم قال وبنو ابجر بيت في الكوفة أطباء واخوه عبد الملك بن سعيد ثقة عمّر الى سنة مئتان واربعون له كتاب الديات رواه عن ابائه وعرضه على الامام الرضا (عليه السلام) والكتاب يعرف بين اصحابنا بكتاب عبد الله بن ابجر)، فهما يتفقان في اللقب وفي الكنية وفي ان كلا منهما يروي عن الامام الصادق (عليه السلام)
اما اتحادهما في اللقب فواضح، واما الكنية فلا بد القول بسقوط الواو في عبارة النجاشي لإثبات الاتحاد فيها، بدليل ان الموجود في الاسانيد هو أبو عمرو المتطبب
ففي التهذيب (علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن فضال ومحمد بن عيسى عن يونس جميعا عن الرضا (عليه السلام)، وسهل بن زياد عن الحسن بن ظريف عن ابيه ظريف بن ناصح عن عبد الله بن ايوب عن ابى عمرو المتطبب قال : عرضت على ابي عبد الله عليهالسلام ما اتى به امير المؤمنين عليهالسلام في الديات ، فمما افتى به في الجسد وجعله ستة فرائض : النفس والبصر والسمع والكلام .... الخ) [7] وقال في موضع اخر (محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن ظريف بن ناصح ، وروى احمد بن محمد بن يحيى عن العباس بن معروف عن الحسن بن علي بن فضال عن ظريف ابن ناصح ، وعلي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن فضال عن ظريف بن ناصح ، وسهل ابن زياد عن الحسن بن ظريف عن ابيه ظريف بن ناصح ، ورواه محمد بن الحسن بن الوليد عن احمد بن ادريس عن محمد بن حسان الرازي عن اسماعيل بن جعفر الكندي عن ظريف بن ناصح قال : حدثني رجل يقال له عبد الله بن ايوب قال : حدثني أبو عمرو المتطبب قال : عرضت هذه الرواية على ابي عبد الله عليهالسلام ، وروى علي بن ابراهيم عن ابيه عن ابن فضال ، ومحمد بن عيسى عن يونس جميعا عن الرضا عليهالسلام قالا : عرضنا عليه الكتاب فقال : هو نعم حق وقد كان امير المؤمنين عليهالسلام يأمر عماله بذلك)[8] وهي تنص على ان كنية الطبيب هي كنية ابي عمرو، وان الكتاب عرض على الامام الصادق (عليه السلام)