41/06/10
الموضوع: الاخبار العلاجية
قلنا بأن المقبولة تدل على الترجيح بالشهرة وأن المراد بها الشهرة في الرواية، ولكن يبدو أن الالتزام بذلك موقوف على دفع الاشكال السابق وحاصله أن الترجيح بالشهرة ليس من باب ترجيح إحدى الحجتين على الأخرى بل هو من باب تمييز الحجة عن اللاحجة
باعتبار أن الشهرة تساوق الاستفاضة والتواتر ومعناه حصول القطع بصدور الخبر المشهور ومعه يسقط الخبر الشاذ عن الحجية لأنه يكون خبراً مخالفاً للسنة القطعية فالخبر الشاذ النادر في نفسه ليس بحجة لأنه مخالف لخبر قطعي الصدور وقد أمرت الأحاديث بطرح وردّ ما خالف الكتاب والسنة القطعية، وقلنا بأن هذا الاشكال قد يجاب عنه بأجوبة ذكرنا الجواب الأول منها
والجواب الثاني: إن شهرة الخبر تعني الاطمئنان والركون اليه في مقابل الشاذ الذي أهمله الاصحاب ولم يتعرضوا له فيصير هناك ريب فيه من جهة أن الاصحاب أهملوه فإن راوي الشاذ النادر يمكن أن يكون ثقة بمعنى أن في الخبر مقومات الحجية وهذا لا يعني أن الشهرة تعني القطع بالصدور بل تعني أن المشهور أبعد عن الريب من الخبر الشاذ النادر وكل منهما لا قطع بصدوره
وهذا الجواب معلق على أن الشهرة في الرواية لا توجب القطع بالصدور، ولكن ذهب السيد الخوئي والسيد الشهيد وغيرهما (قدهم) الى أنها توجب القطع بالصدور وعبر السيد الخوئي بأنها تعني الوضوح والاستفاضة والتواتر وهذا يوجب القطع بالصدور
ولكن يفهم من قوله (عليه السلام): (ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك) أن يكون أحد الخبرين المتعارضين مشهوراً ومعروفاً بين الاصحاب ولا مانع من افتراض أن كلا الخبرين حجة من دون أن تكون الشهرة في الخبر موجبة للقطع بالصدور كما لا قطع بعدم صدور ما يقابله فكل منهما حجة لكن أحدهما معروف بين الاصحاب والآخر ليس كذلك، فليس واضحاً أن شهرة الرواية تكون موجبة للقطع بصدورها وعلى هذا الأساس يرتفع الاشكال
الجواب الثالث: لو سلمنا بأن شهرة الرواية نوجب القطع بالصدور فلماذا نطرح الخبر المخالف له؟، والذي قيل في الاشكال بأنه يطرح لأنه مخالف للسنة القطعية ومقصودهم الرواية المشهورة التي قطعنا بصدورها وهذا موقوف على تعميم السنة الواردة في أدلة الطرح الى سنة المعصوم (عليه السلام)، وأما إذا قلنا بأن السنة التي دل الدليل على طرح ما خالفها هو السنة النبوية فقط فحينئذ لا يتم هذا الاشكال فإن الشاذ النادر ليس مخالفاً للسنة التي امرنا بطرح ما خالفها
وحينئذ نحتاج الى استئناف بحث حول المراد بالسنة التي وردت في أحاديث الطرح
وتقدم سابقاً بأن السيد الشهيد (قده) يصر على أن الجهة التي يشترك فيها الكتاب والسنة والتي توجب طرح ما خالفهما هي كون كل منهما قطعي الصدور فإذا قلنا بأن هذه هي النكتة فحينئذ يمكن التعميم الى كل ما هو قطعي الصدور سواء كان سنة نبوية او كان سنة معصوم
وقلنا سابقاً بأن هذا الكلام محل تأمل فليس واضحاً أن هذه هي العلة فقط فإننا نحتمل أن هناك جهة أخرى دخيلة وهي كون الكتاب قطعي الجهة فليس فيه احتمال التقية فيكون الامر بطرح المخالف له لأنه قطعي الصدور وقطعي الجهة، وهذا المطلب يمكن تعميمه للسنة النبوية القطعية؛ لأنها قطعية الصدور بحسب الفرض كما انه لا احتمال تقية فيها ولكن لا يمكن تعميمه الى سنة المعصوم حتى لو كانت قطعية الصدور لأن احتمال التقية وارد في كلامهم (عليهم السلام) فلا يمكن أن يقال بأن كل ما خالف قول المعصوم فهو مردود استناداً الى هذه الروايات لاحتمال أن تكون قطعية الجهة في الكتاب والسنة دخيلة في الأخذ بالموافق وطرح المخالف، فالأخذ بالموافق يكون اقرب الى الصواب من الاخذ بالمخالف للكتاب لأن المخالف للكتاب فيه احتمال التقية، وهو احتمال موجود وقائم ولا يمكن نفيه، صحيح أن الأدلة دلت على أن سنة المعصوم كسنة النبي (صلى الله عليه واله) لكن هذا كله ناظر الى مسألة العمل أي انه يجب العمل بسنة المعصوم كالعمل بسنة النبي (صلى الله عليه واله)
ومن هنا يظهر أنه لا بد من البناء على الترجيح بالشهرة وانه يدخل في محل الكلام وحيث أن الشهرة بحسب الترتيب متقدمة على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة فلا بد من الالتزام بذلك الا أن ننكر دلالة المقبولة على الترتيب لأن عمدة الروايات التي نستند اليها هي المقبولة، خصوصاً وأن روايات الراوندي حتى إذا تمت سنداً فإن الشهرة غير مذكورة فيها،
وفي بعض الأحيان قد يكون كل من الخبرين مشهوراً ومعروفاً بناءً على ما ذكرناه من أن الشهرة لا توجب القطع بالصدور، بل حتى بناءً على أن الشهرة توجب القطع بالصدور يمكن أن يكون كل من الخبرين مشهوراً ومعروفاً فلا مانع من القطع بصدور كل من الخبرين المتعارضين فاذا فرضنا أن كل من الخبرين كان مشهوراً معروفاً ولكن كان أحد الخبرين أكثر رواة من الخبر الاخر، فهل يكون هذا موجباً للترجيح او لا؟
والصحيح أن هذا يعتمد على أن كثرة الرواة إذا كانت موجبة للشهرة بين الاصحاب بحيث يكون الخبر مشهوراً معروفاً فلا اشكال في الترجيح بهذه الشهرة وأما إذا لم تكن موجبة لذلك، فلا موجب للترجيح بمجرد كون أحد الخبرين أكثر رواة إذ لا دليل على الترجيح بذلك