الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/06/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

قلنا إن الاخبار الدالة على الترجيح على طوائف وتقدم الكلام في الطائفة الاولى وهي الترجيح بما وافق الكتاب وخالف العامة

والطائفة الثانية: ما دل على الترجيح بالشهرة أي تقديم الخبر المشهور على الشاذ النادر

والروايات التي تعرضت للترجيح بالشهرة ليست كثيرة وعمدتها المقبولة، وان وجد غيرها لكنها غير تامة سنداً

نعم الترجيح بالشهرة في المقبولة ورد بعد الترجيح بالصفات، (قال الامام (عليه السلام): الحكم ما حكم به أعدلهما ، وأفقههما ، وأصدقهما ، في الحديث ، وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ، قال : فقلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على صاحبه ، قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به ، المجمع عليه عند أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه ـ إلى أن قال : ـ فإن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم ؟....الخ) [1]

ووقع الخلاف في أن المراد بالشهرة في المقبولة هل هو الشهرة بالرواية أي شهرة النقل والحكاية عن الامام (عليه السلام) بقطع النظر عن مضمون الرواية او المراد بها هو الشهرة الفتوائية أي الحكم المحكي بالرواية إذا كان مشهوراً بخلاف المحكي في الخبر الاخر ومضمونه فإنه ليس بمشهور

وقد بنى أكثر المحققين على أن المراد بها هي الشهرة في الرواية، نعم يوجد كلام في المرفوعة على أن المراد بها الشهرة الفتوائية، ويوجد احتمال او قول بأن المراد بها هي الشهرة الفتوائية

ويستدل على كون المراد بالشهرة في المقبولة هي الشهرة الروائية لا الفتوائية بظاهر الرواية باعتبار أن الشهرة والاجماع قد أضيفت الى الحكاية لا الى الحكم خصوصاً وأن السائل بعد ان امره الامام بان يأخذ بالمجمع عليه بين اصحابك ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك، قال : ـ فإن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم )) وواضح بان المراد به هو الشهرة في الرواية والسائل فهم ان الامام رجح بالشهرة بالرواية، مضافاً الى أن الشهرة اذا كانت تساوق الوضوح والاجماع فان نفس افتراض السائل وجود الشهرة في كلا الخبرين المتعارضين قرينة على أن المراد بالشهرة هي الشهرة في الرواية لا الشهرة في الفتوى فلا يمكن أن يتحقق الاجماع على حكمين مختلفين، بينما يمكن تصور روايتين متعارضتين كل منهما دونها الاصحاب في مجاميعهم الحديثية وكل منهما معروف لديهم،

وهذا هو الصحيح فالظاهر أن المقبولة ظاهرة في ارادة الشهرة في الرواية

ومن هنا استشكل في كون الترجيح بالشهرة من باب ترجيح احدى الحجتين على الاخرى والاشكال يبتني على أن المراد بالشهرة هو الشهرة في الرواية فقالوا بأن الشهرة في الرواية توجب العلم بالصدور ومع العلم بصدور الخبر يكون قطعياً فيسقط حينئذ الخبر المخالف له عن الحجية لأنه يكون مخالفاً للسنة القطعية والاخبار دلت على أن المخالف للسنة القطعية يسقط عن الحجية وتقدم أن المراد بالسنة ليس هو خصوص السنة النبوية بل عممناه لكل ما يكون قطعياً سواء كان سنة نبوية او وارداً عن الائمة (عليهم السلام) فإن الجهة الملحوظة في الحديث هو كون كل منهما قطعياً فأحد الخبرين عندما يكون شاذاً وفي مقابله المشهور والمفروض أن الشهرة تساوق القطع بالصدور فيسقط المخالف له عن الاعتبار لأن الاخبار دلت على أن ما يخالف الكتاب والسنة زخرف وباطل وحينئذ لا يكون ترجيح المشهور من باب ترجيح احدى الحجتين على الاخرى وإنما يكون من باب تمييز الحجة عن اللاحجة، وكلامنا في ترجيح احدى الحجتين على الاخرى

والدليل على أن شهرة الرواية توجب القطع بصدورها قرينتين:

القرينة الاولى: قول الامام (عليه السلام): (فان المجمع عليه لا ريب فيه) اي لا شك فيه وهذا يعني القطع بالصدور

القرينة الثانية: قول الامام (عليه السلام): في ذيل الرواية (وإنّما الأمور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله وإلى رسوله قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) : حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك)

وواضح من استشهاد الامام بالحديث النبوي انه يريد تطبيق ذلك على الرواية فان الخبر المشهور الذي عبر عنه بانه لا ريب فيه يدخل في القسم الاول من الاقسام الثلاثة (امر بين رشده) وهو يساوق القطع بالصدور

وقد اعترض على هذا الاشكال باعتراضات فإن معناه اسقاط الترجيح بالشهرة عن الاعتبار فلا تكون الشهرة من مرجحات باب التعارض

الاعتراض الاول: إذا كانت الشهرة بالرواية موجبة للقطع بالصدور فكيف افترض السائل وجود الشهرة بين كلا الخبرين المتعارضين فإن هذا من قبيل القطع بالنقيضين فهذا قرينة على أن الشهرة في الرواية لا تساوق القطع بالصدور

وجوابه إن هذا الاعتراض مبني على أنه لا يمكن صدور الاخبار المتعارضة عن الائمة (عليهم السلام) وكأنهم قاسوا الامام بالفقيه العادي وغفلوا عن أن الائمة مروا بظروف خاصة من التقية والاضطهاد وغيرها فلا محذور في أن يصدر عنهم خبرين متعارضين عن المعصوم، ثم هم جعلوا قواعد لعلاج حالة التعارض، فلا مانع من فرض القطع بصدور الخبرين المتعارضين عن الامام، ثم إن محل الكلام في وجود الشهرة في أحد الخبرين دون الآخر، واما فرض الشهرة في كليهما فإن السائل قد فرضه واجابه الامام (عليه السلام) بما هو مذكور في الرواية

الاعتراض الثاني: إن شهرة الخبر في حد نفسها لا توجب القطع بالصدور وإنما توجب الركون الى صدور الخبر الاطمئنان به، فليس المقصود بالريب في قول الامام (عليه السلام): (فإن المجمع عليه لا ريب فيه) هو الشك بل التهمة والظنة فلا يفيد هذا التعبير القطع بالصدور فلا يوجب هذا سقوط الخبر المقابل عن الحجية حتى يدخل في باب تمييز الحجة عن اللاحجة


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص106، أبواب صفات القاضي، باب9، ح1، ط آل البيت.