الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

كان الكلام في ما ذكره صاحب الكفاية من ان الاخبار الدالة على ترجيح الخبر المخالف للعامة هي من باب تمييز الحجة عن اللاحجة

واستشهد بأن وجود الخبر المخالف للعامة يوجب الاطمئنان او الوثوق بصدور الخبر الموافق لهم تقية فيسقط عن الاعتبار ولا يكون حجة لما تقدم من انه لا معنى للتعبد بسند ما لا يكون صادراً لبيان الحكم الواقعي

وقلنا بان مجرد ورود الخبر المخالف لا يكفي لاحراز صدور الخبر الموافق لهم تقية اذ لا ملازمة بين الموافقة للعامة وبين المخالفة للواقع فما اكثر الاحكام التي نلتقي بها معهم، والذي يشهد لذلك هو نفس المقبولة بناءً على ما تقدم من استفادة الترتيب منها فانها قدمت الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامة وهذا لا ينسجم مع اسقاط الخبر الموافق للعامة عن الحجية والحكم بصدوره لا لبيان الحكم الواقعي، فاذا فرضنا ان الخبر الموافق للعامة كان موافقاً للكتاب وفي قباله خبر مخالف للعامة ومخالف للكتاب فبناءً على تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على مخالفة العامة فسوف نقدم الخبر الموافق للعامة لانه موافق للكتاب وهذا لا معنى له اذا فرضنا الجزم بصدور الخبر الموافق للعامة لا لبيان الحكم الواقعي، فالترتيب بين المرجحين قرينة على انه ليس كل ما يوافق العامة يحكم بانه صدر تقية راساً

وعلى كل حال يظهر ان هذا النزاع لا ثمرة عملية له فعلى كل حال لا بد من تقديم الخبر المخالف للعامة على الموافق لهم إما لما يقوله صاحب الكفاية من أن اصالة الجهة لا تجري في الخبر الموافق لهم بعد الوثوق بانه صدر لا لبيان الحكم الواقعي، او عملاً بالاخبار التي ترجح تقديم المخالف للعامة على الموافق لهم

التنبيه الثالث: ان كون الخبر موافقاً للعامة او مخالفاً لهم له صور متعددة

الصورة الاولى: ان يكون الخبر مخالفاً لحكم متفق عليه عندهم وهذا هو القدر المتيقن من الترجيح بمخالفة العامة

الصورة الثانية: اذا كان الخبر مخالفاً لحكم مشهور عندهم، فالصحيح انه يقدم الخبر المخالف للراي المشهور عندهم وان كان موافقاً للشاذ النادر منهم لان المخالف منهم شاذ نادر كأنه بحكم العدم، واذا لم نرجح بهذا المرجح في حالة من هذا القبيل يلزم أن نحمل اخبار الترجيح بمخالفة العامة على الفرد النادر جداً فاغلب المسائل عندهم فيها اقوال شاذة ونادرة، خصوصاً اذا التفتنا الى انه لا وسيلة لدينا لنفي الاقوال الشاذة عندهم فهذا يمنع من العمل بهذا المرجح حتى لو كان في بعض الاقوال اجماع لديهم

الصورة الثالثة: اذا اختلفوا في المسألة على قولين بحيث لا يصح ان ننسب احد القولين الى العامة، وحينئذ فاذا كان احد الخبرين المتعارضين موافقاً لاحد القولين فقهراً يكون مخالفاً للقول الاخر وكذلك الخبر الثاني، فكل منهما موافق لقول ومخالف للاخر، والظاهر انه هنا يتعذر الترجيح بمخالفة العامة فاننا لا نحرز المخالف من هذين الخبرين

نعم قد يفترض كون احد الخبرين موافقاً لاحد القولين لكن الخبر الاخر مخالفاً لاجماعهم كما اذا فرضنا ان الخبر الثاني يثبت قولاً ثالثاً في المسألة، فالظاهر انه هنا يمكن تقديم المخالف لاجماع العامة على الخبر الموافق لبعض العامة بناءً على ما هو الظاهر من ان اخبار الترجيح بمخالفة العامة مبنية على قوة احتمال التقية في الخبر الموافق للعامة وهذه النكتة محفوظة في المقام فالخبر المخالف لاجماع العامة يكون ابعد عن التقية من الخبر الموافق ولو لبعضهم

ويزيد على هذا انه في ذيل المقبولة بعد ان رجح بالمرجحات المتقدمة سأل الراوي الامام (فان وافقهم الخبران جميعا) ولا بد ان يكون المقصود الموافقة للبعض، فكأن السائل فهم من الموافقة للعامة في كلام الامام قبل هذا السؤال هو الموافقة للبعض

التنبيه الرابع: لا يشترط في اعمال هذا المرجح ان يكون البعض الموافق له الخبر الاخر معاصراً لزمان صدور الخبر بل يكفي ان يكون سابقاً عليه

كما انه لا يعتبر في هذا البعض ان يكون من طائفة معينة كالفقهاء او القضاة او الحكام فالرواية مطلقة ولا داعي لتقييدها، نعم اذا كان البعض متاخر زماناً عن صدور الرواية فلا معنى لأن يقال بأن الرواية الموافقة له صادرة تقية، ومن هنا يظهر انه لا بد من ملاحظة اراء العلماء السابقين على حدوث المذاهب الاربعة فانها قد حدثت متاخرة

التنبيه الخامس: ان السائل ذكر بعد ذلك في المقبولة (فان وافقهما الخبران جميعا؟ قال (عليه السلام): ينظر الى ما يكون حكامهم وقضاتهم اليه اميل)، وهذا مرجح في قبال المرجحات الاخرى ومترتب عليها بعد فقدها، فما يكونون اليه اميل اقرب الى التقية من الخبر الذي يكونون عنه ابعد