الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/06/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

كان الكلام في ما ذكره صاحب الكفاية من تخريج الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة على القاعدة وإدخالها في باب تمييز الحجة عن اللاحجة فإذا كانت الأدلة تدل على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب فهو يسقط عن الاعتبار بقطع النظر عن معارضته للخبر الآخر

فالأخبار التي ترجح ما وافق الكتاب على ما خالف الكتاب ليست في مقام ترجيح احدى الحجتين على الأخرى بل هي في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة

وقلنا بأنه اعترض عليه بأن الخبر المخالف للكتاب بنحو التخصيص والتقييد خارج عن موضوع هذه الاخبار لأن الخاص لا يكون مخالفاً للكتاب فإن الخاص لا يخالف العام بل يعتبر قرينة على العام والقرينة لا تخالف ذي القرينة

وقلنا لا بد أن ننقح أنه هل يعد الخبر المخالف للكتاب بنحو التقييد والتخصيص يكون مخالفاً للكتاب او لا، فاذا قلنا بأنه لا يكون مخالفاً فالايراد على صاحب الكفاية يكون واضحاً فلا تشملة الاخبار الدالة على طرح ما خالف الكتاب فتشمله الاخبار الدالة على حجية خبر الثقة فتكون هذه الاخبار من باب ترجيح احدى الحجتين على الاخرى

وأما لو قلنا بأن المخالفة أعم فتصدق عليه المخالفة باعتبار أنه مخالف للعموم القراني، فلا يتوجه الايراد على صاحب الكفاية فبإمكانه أن يقول بأن المخالفة تشمل كل هذه الاقسام وما خرج من أخبار الطرح هو المخالف بنحو التخصيص إذا لم يكن له معارض للاتفاق على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد، وأما لو كان له معارض فلا يعلم بخروجه من أخبار الطرح وهي تدل على عدم حجيته في حد نفسه فتكون الاخبار في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة

والصحيح أن نقول:

اولاً: اننا نؤمن بأن المخالفة لا تصدق على الخبر المخالف لعموم قرآني او لمطلق قرآني ولذا يكون الاشكال على صاحب الكفاية ثابتاً لأن هذا خارج عن اخبار الطرح، وتقدم سابقاً أن هناك رأيين في المسألة

الرأي الاول: إن الخاص يخالف العام فصحيح أن العموم ليس مراداً جداً للمتكلم الا أنه مراد استعمالي له وهو لا يزول بالخاص المنفصل وإنما يزول به المدلول التصديقي الجدي النهائي فهو ينعقد على طبق الخاص، ويبقى مستعملاً في العموم فيصح أن نقول بأن الخاص مخالف للكتاب ويكون مشمولاً للأدلة الدالة على عدم حجية ما خالف الكتاب فتكون الاخبار من باب تمييز الحجة عن اللاحجة كما ذكر في الكفاية

الرأي الثاني: إن الخاص لا يخالف العام لأن الميزان في المخالفة وعدمها هو المخالفة بالنسبة الى المراد الجدي النهائي بالنسبة للكتاب ومن الواضح بأن الخاص لا يخالف المراد الجدي النهائي للعموم القراني لأنه بعد ورود الخاص المنفصل ليس هو العموم بل هو ما عدا الخاص فلا يكون الخاص مخالفاً له

وهذا هو الصحيح كما تقدم لأن الميزان في أن هذا مخالف للكتاب ليس على المراد الاستعمالي الذي لا يريده المتكلم جداً، وحينئذ يكون الايراد على صاحب الكفاية واضحاً، فالخبر الموافق لعموم الكتاب في مقابل الخبر المخالف لعموم الكتاب كلاهما حجة لأن كلاً منهما مشمول لأدلة حجية خبر الثقة فإن المخالف للعموم القرآني لا تشمله الادلة الدالة على عدم حجية المخالف للكتاب فيتم هذا الايراد على ما ذكره صاحب الكفاية

التنبيه الثاني: انه وقع خلط بين طائفتين من أخبار العرض على الكتاب

الطائفة الاولى: ما دل على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب وأنه زخرف وباطل ولم نقله وهي الروايات التي أسميناها بأخبار الطرح وهي واضحة الدلالة على عدم حجية المخالف في حد نفسه، وهي تختص بالمخالف للكتاب بنحو التباين او العموم والخصوص من وجه لأننا نعلم بصدور ما يخالف الكتاب بنحو التخصيص والتقييد، ولو كانت هذه الاخبار شاملة باطلاقها للمخالف بنحو التقييد والتخصيص فلا بد من اخراجها منها بالتخصيص الا أن لسان هذه الاخبار آب عن التخصيص، وهذا يجعلنا نقول بانها مختصة بالمخالفة بنحو التباين

والطائفة الثانية: ما ورد بلسان (اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فذروه)[1] وهي ترجح ما وافق الكتاب على ما خالف الكتاب فهي من باب ترجيح احدى الحجتين على الاخرى وليست في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة بدليل تقديم الترجيح بالشهرة في المقبولة على الترجيح بموافقة الكتاب فبناءً على استفادة الترتيب من المقبولة لو فرضنا أن الخبر المشهور كان مخالفاً للكتاب بينما الخبر الشاذ موافق للكتاب فلا بد من تقديم المشهور وإن كان مخالفاً للكتاب على الشاذ وإن كان موافقاً للكتاب، وهذا لا يناسب أن يكون الخبر المخالف للكتاب ساقطاً عن الحجية في حد نفسه، فهذه الاخبار تقدم احدى الحجتين على الاخرى والا لما كان هناك وجه صحيح لتقديم الترجيح بالشهرة على الترجيح بموافقة الكتاب في المقبولة

وأما الترجيح بمخالفة العامة فذكر بأن الخبر الموافق للعامة ساقط عن الحجية باعتبار أن اصالة الجهة لا تجري فيه فبعد وجود الخبر المخالف للعامة يسقط الخبر الموافق لهم عن الاعتبار والحجية باعتبار أن أصالة الجهة لا تجري فيه ولا معنى للتعبد بسند الخبر الذي يحرز صدوره تقية بل يكون التعبد بسنده لغو، فكأن وجود الخبر المخالف للعامة يوجب الوثوق بصدور الخبر الموافق لهم تقية فيسقط عن الاعتبار ولا يكون حجة

وهذا الكلام ليس واضحاً فكيف يحصل اطمئنان بصدور الخبر الموافق للعامة تقية بحيث لا تجري فيه اصالة الجهة ومعه لا مجال للتعبد بسنده، فمجرد وجود الخبر المخالف للعامة لا يوجب الاطمئنان بأن الخبر الاخر صدر تقية فلا مانع من افتراض صدوره لبيان الحكم الواقعي فنحن نتفق مع العامة في أكثر الاحكام، وليكن الحكم الموافق لهم من الاحكام المتفق عليها بيننا وبينهم، نعم يحتمل صدوره لبيان الحكم التقيتي


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص118، أبواب صفات القاضي، باب9، ح29، ط آل البيت.