الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

ذكرنا بانه يمكن ان يدعى استفاضة الاخبار الدالة على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة لأنها اخبار عديدة وان كان بعضها ليس تام سنداً، وما قلناه انما يتم بالنسبة الى الترجيح بمخالفة العامة واما الترجيح بموافقة الكتاب فالظاهر ان رواياته ليست مستفيضة فما دل عليه هو المقبولة ورواية الراوندي، نعم هناك بعض المراسيل كالمذكورة في ديباجة الكافي ومرسلة المفيد[1] ومن هنا يصعب دعوى الاستفاضة بالنسبة لأدلة الترجيح بموافقة الكتاب الا ان الاستدلال لا يتوقف على الاستفاضة بل يكفي ان تتم احدى الروايات سنداً كالمقبولة وتكون تلك الروايات مؤيدة لها، فكل من المرجحين ثابت وهو مرجح مستقل والطولية ثابتة بينهما

وهنا ينبغي التنبيه على امرين:

التنبيه الأول: تقدم الحديث عن الروايات التي تامر بطرح ما خالف الكتاب وهي على السنة متعددة والظاهر انها لا تدخل في الطائفة التي نتحدث عنها لأنها -على ما اشرنا اليه- ليست مسوقة لعلاج حالة التعارض بين الخبرين وانما هي في مقام بيان اعتبار شرط جديد في حجية الخبر وهو ان لا يكون مخالفاً للكتاب والا فيسقط عن الاعتبار فمن شرائط العمل بخبر الواحد ان يكون راويه ثقة وان لا يكون مخالفاً للكتاب فهي في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة ولذا تحمل على ما اذا كان المخالف للكتاب مخالفاً له بنحو التباين فيكون سقوطه عن الاعتبار باعتبار مخالفته للكتاب لا باعتبار مخالفته لخبر اخر، ولذا ورد التعبير عن المخالف بالزخرف وانه لم نقله وباطل وغيره من السنة الاستنكار والتحاشي وهذا يناسب عدم الحجية

التنبيه الثاني: هناك محاولة التزم بها المحقق الخراساني (قده) لتخريج الترجيح بموافقة الكتاب والترجيح بمخالفة العامة على القاعدة بلا حاجة الى نصوص خاصة، ببيان ان الاخبار الواردة في الترجيح بمخالفة العامة واردة في مقام تمييز الحجة عن اللاحجة لا في مقام ترجيح احدى الحجتين على الأخرى في مقام التعارض فكأنها تريد ان تقول ان الخبر الموافق للعامة ليس بحجة، بينما كلامنا في ترجيح احدى الحجتين على الأخرى بعد وقوع التعارض بينهما، وإذا ارجعناها الى ترجيح الحجة على اللاحجة يكون الترجيح على القاعدة

بتقريب ان اصالة الجهة لا تجري في الخبر الموافق للعامة لأن الوثوق بصدور الخبر المخالف للعامة يلازم الوثوق بصدور الموافق لهم تقية فيسقط عن الاعتبار لما تقدم من انه لا معنى للتعبد بصدور خبر ورد لا لبيان الحكم الواقعي فانه لا ثمرة له وبعد سقوطه فلا نحتاج الى نصوص خاصة للعمل بالخبر المخالف للعامة

وبعبارة أخرى: في مقام الجمع بين الدليلين المتعارضين في مرحلة المراد الجدي فان العرف يقدم الصريح على غيره والنص على الظاهر فاذا كان أحد الدليلين نص في الجواز والأخر ظاهر في الحرمة يقدم النص ويتصرف بالدليل الاخر لصالحه فيحمل على الكراهة

وفي محل الكلام يعتبر الخبر المخالف للعامة صريح في عدم التقية وانه وارد لبيان الحكم الواقعي بينما الخبر الموافق لهم ليس صريحاً بل هو ظاهر في ذلك فاحتمال التقية فيه كبير فنقدم الصريح على غيره ونحمل الخبر الموافق للعامة على التقية وإذا حملناه على التقية يسقط عن الاعتبار لأنه بعد حمله على التقية لا معنى للتعبد بحجية سنده، ونعمل بالخبر المخالف على القاعدة ولا نحتاج الى تجويز العمل به الى النصوص المتقدمة

واما الترجيح بموافقة الكتاب فادعي تخريجه على القاعدة بتقريب ان الاخبار تامر بطرح ما خالف الكتاب ومعناها عدم حجية الخبر المخالف للكتاب، ولدينا الأدلة العامة التي تدل على حجية خبر الثقة مطلقاً، وهذه الطائفة بمقتضى ظهورها الاولي تشمل كل ما يكون مخالفاً للكتاب ولكن خرج منها الخبر المخالف للكتاب بنحو التخصيص والتقييد مع عدم وجود معارض له بالاتفاق على ان العموم القرآني يمكن ان يقيد بخبر الواحد المعتبر

واما ما عدا هذا مما يكون مخالفاً للكتاب فيبقى مشمولاً للطائفة الآمرة بطرح ما خالف الكتاب فيبقى داخلاً في هذه الطائفة الخبر المخالف للكتاب بنحو التباين وبنحو العموم من وجه، وكذا الخبر المخالف للكتاب بنحو التقييد والتخصيص إذا كان له معارض وهو محل كلامنا وتدل هذه الطائفة على عدم حجيته لأنه لا اجماع على خروجه عما دل على عدم حجية المخالف للكتاب، ولا نحتاج الى نصوص خاصة للعمل بالخبر الموافق للكتاب وترك العمل بالخبر المخالف له.

 


[1] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج17، ص305.