41/05/25
الموضوع: الاخبار العلاجية
من الروايات التي يستدل بها على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة هي رواية الحسن بن الجهم ، قال : قلت للعبد الصالح ( عليه السلام ) : هل يسعُنا فيما ورد علينا منكم إلاّ التسليم لكم ؟ فقال : ((لا والله لا يسعكم إلاّ التسليم لنا ، فقلت : فيروى عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) شيء ، ويروى عنه خلافه ، فبأيّهما نأخذ ؟ فقال : خذ بما خالف القوم ، وما وافق القوم فاجتنبه))[1] ودلالتها على تقديم ما خالف القوم على ما وافقهم واضحة، نعم هي كالرواية السابقة مطلقة من كون المخالف للقوم موافقاً للقران او مخالفاً له، وهذا الاطلاق لا بد من تقييده بما دل على الطولية والترتيب بين هذين المرجحين وان النوبة لا تصل الى الترجيح بمخالفة العامة الا بعد فقد المرجح الأول وهو الترجيح بموافقة الكتاب
ومن حيث السند فان فيها المشكلة السابقة فهي مأخوذة من رسالة الراوندي لا من كتاب الشيخ الصدوق وتقدم الاشكال في صحة انتسابها للشيخ الراوندي
ومن الروايات ما نقله في الوسائل عن رسالة الراوندي عن محمّد بن موسى بن المتوكّل ، عن السّعد آبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن محمّد بن عبد الله ، قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : كيف نصنع بالخبرين المختلفين ؟ فقال : ((إذا ورد عليكم خبران مختلفان ، فانظروا إلى ما يخالف منهما العامّة فخذوه ، وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم فدعوه))[2]
وهذه من حيث السند حالها حال الرواية السابقة وتزيد عليها بان محمد بن عبد الله مشترك بين كثيرين منهم الثقة وغيره وقد يصعب تشخيص انه الثقة.
وهنا أيضا لا بد من تقييدها بان لا يكون ما خالف العامة مخالفاً للكتاب والا فلا بد من تقديم الاخر الموافق للكتاب عليه
وهذه استعملت (فانظروا الى ما يخالف منهما العامة فخذوه) وفي الموافقة ذكرت الموافقة لأخبارهم (وانظروا إلى ما يوافق أخبارهم فدعوه ) والتبديل في التعبير قد يستفاد منه الإشارة الى ما تقدم من ان المقصود هو مخالفة الوضع العام الذي هم عليه
والرواية الأخرى هي رواية سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قلت : يرد علينا حديثان : واحد يأمرنا بالأخذ به ، والآخر ينهانا عنه ، قال : ((لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله ، قلت : لا بدّ أن نعمل ( بواحد منهما ) قال : خذ بما فيه خلاف العامّة))[3] وينقلها صاحب الوسائل عن الاحتجاج فهي مرسلة كباقي روايات الاحتجاج
وظاهرها ان الترجيح يكون في فرض الاضطرار الى العمل بأحد الخبرين وهذا القيد غير موجود في الروايات الأخرى، فاذا فرضنا تمامية هذه الرواية سنداً فلا بد من تقييد كل الروايات السابقة الدالة على الترجيح بمخالفة العامة بصورة الاضطرار الى العمل بأحد الخبرين المتعارضين، نعم يظهر من الرواية ان هذا التقييد مختص بصورة التمكن من معرفة الحكم الشرعي من الامام (عليه السلام)، ولكن الرواية غير تامة سنداً، نعم التقييد الذي ذكرناه سابقاً وهو التقييد بفقد المرجح الأول وهو موافقة الكتاب يأتي هنا أيضاً
ومن الروايات: رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : ((ما سمعته منّي يشبه قول الناس فيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه))[4] وقد عبر عنها بالموثقة باعتبار وجود الحسن بن محمد بن سماعة في سندها ولكن الظاهر ان فيها مشكلة سندية اخرى من جهة الحسن بن ايوب فلا نص على وثاقته، نعم وثقه السيد الخوئي باعتبار وجوده في اسانيد تفسير علي بن ابراهيم،
وهناك كلام حول ورودها في محل الكلام او انها ناظرة الى طبيعي الخبر ولا اختصاص لها بحالة التعارض، وقال بعضهم بانها مطلقة فتشمل صورتي التعارض وعدمه فلا معنى لتخصيص تقديم ما لا يشبه قول الناس على ما يشبه قول الناس بصورة عدم التعارض، بل ادعى بعضهم اختصاصها بصورة التعارض وان كانت شاملة لكلتا الصورتين بدواً الا ان شمولها لغير مورد التعارض يواجه مشكلة فعلى هذا لا بد ان نلتزم بسقوط كل خبر يشبه كلام الناس عن الاعتبار وهذا لا يمكن الالتزام به فلا بد من تخصيصها بصورة التعارض
ولكن الصحيح ان المقصود بما يشبه كلام الناس هو ما يشبه فتاوى العامة او لا اقل من احتمال ذلك خصوصاً مع العدول عن التعبير الموجود في الروايات الى هذا التعبير فالمقصود ان الكلام اذا كان مشتملاً على ما عليه العامة من الاستنباط بالقياس والاستحسان وغيرها من الامور الظنية التي لا دليل عليها بل قام الدليل على عدم اعتبارها فهذا فيه تقية وهو ليس بحجة، وهذا المعنى يمكن الالتزام به حتى على القول باختصاص الرواية بصورة عدم التعارض
ومن هنا يظهر ان الرواية بصدد اعطاء ميزان لقبول الخبر وحجيته وهو ان لا يكون مشتملاً على استدلالات ظنية كما عليه العامة فتكون اجنبية عن محل الكلام
وهذه عمدة الروايات التي استدل بها للترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة وهناك روايات اخرى ولكنها غير واضحة الدلالة، ومن هنا يظهر ان العمدة في الاستدلال على الترجيح بالمرجحين هو المقبولة التي تمت عندنا سندا ورواية الراوندي، وباقي الروايات وان تمت دلالتها على المطلوب الا ان معظمها غير تام سنداً، الا انه يكفي في ثبوت الترجيح بهذين المرجحين وجود رواية واحدة صحيحة السند واضحة الدلالة فان المسالة ليست كما تخيلها المحقق من عدم حجية خبر الواحد فيها فهي مسالة اصولية وخبر الواحد فيها حجة لا انها مسالة عقائدية حتى لا يكون حجة فيها، على انه يمكن ان يقال بل قيل بان الروايات مستفيضة بحيث يحصل الوثوق والاطمئنان بصدور هذا المضمون من الامام (عليه السلام) ويبعد جداً عدم صدور شيء منها