41/05/18
الموضوع: الاخبار العلاجية
كان الكلام في تقديم المرجح الجهتي على المرجح الصدوري الذي ذهب اليه الوحيد البهبهاني (قده) وتبعه بعض المحققين واستدل له بان اعمال المرجح الصدوري يلزم منه الغاء امرين أحدهما الغاء اصالة الصدور في المرجوح واصالة الجهة فيه اذ لا معنى للتعبد بجهة ما لا تعبد بصدوره في حين ان اعمال المرجح الجهتي لا يستلزم الا الغاء اصالة الجهة في الاخر بحمله على الحكم التقيتي وهذا لا يستلزم الغاء الصدور في الاخر، ومن الواضح اذا دار الامر بينهما مع كون أحدهما مستلزما لإلغاء اصلين يكون الاخر الذي لا يستلزم الا الغاء اصل واحد هو المتعين
ويلاحظ عليه: ان اعمال المرجح الصدوري لا يقتضي التعبد بعدم صدور المرجوح وانما غاية ما يقتضيه هو عدم التعبد بصدوره لا التعبد بعدم صدوره حتى يقال بانه مع التعبد بعدم صدوره لا معنى لأصالة الجهة فيه ولكن الصحيح هو عدم التعبد بصدوره وهذا معناه ان الغاء اصالة الجهة في المرجوح ليس سببها هو ارتفاع موضوعها بل سببها هو ما تقدم من انه لا أثر لأصالة الجهة مع عدم التعبد بالصدور
وبناءً على هذا الكلام نقول بانه من قال بان اعمال المرجح الصدوري يلزم منه الغاء أصلين في حين ان اعمال المرجح الجهتي يلزم منه الغاء أصل واحد بل الصحيح ان كل منهما يلزم منه الغاء أصلين فكما ان اعمال المرجح الصدوري يلزم منه الغاء أصلين، كذلك اعمال المرجح الجهتي يلزم منه الغاء أصلين الأول الغاء اصالة الجهة في الاخر فان حمل الأول على انه لبيان الحكم الواقعي لازمه ان نحمل الاخر على الحكم التقيتي، فيلزم منه الغاء اصالة الجهة في الراجح صدوراً وكذا الغاء اصالة الصدور فيه اذ لا أثر للتعبد بصدور الخبر المحمول على التقية، فلا اثر للتعبد بصدور ما لا تعبد بجهته
وحينئذ يتساويان وعليه فلا يتم هذا الوجه لتقديم المرجح الجهتي على المرجح الصدوري
ومن هنا يظهر انه لا يوجد ما يقتضي تقديم بعض المرجحات على البعض الاخر طبعاً وبقطع النظر عن الأدلة
المقام الثاني: الترتيب بين المرجحات على ضوء اخبار الترجيح
ذكر المحقق الخراساني (قده) في الكفاية ان اخبار الترجيح لا يستفاد منها الترتيب لأنها مسوقة لبيان المرجحات لا لبيان المرجحات وبيان الترتيب بينها ولذا اقتصرت بعض روايات الترجيح على بعضها ومقتضى اطلاقها هو انه يعمل بهذا المرجح بقطع النظر عن المرجحات الأخرى، فاذا وجد في أحد الخبرين مرجح ووجد في الاخر غيره يتكافئان ولا يمكن تقديم أحدهما على الاخر ونرجع الى اطلاقات التخيير بناء على تماميتها فيتخير بينهما
ولكن الانصاف ان الروايات لها ظهور في الترتيب بين المرجحات وبالخصوص المقبولة فالترتيب فيها بين المرجحات واضح فقد قدم الامام الترجيح بصفات الراوي -بناء على انه من المرجحات- وبعد فرض التساوي بصفات الراوي رجح بالشهرة وبعد التساوي بين الخبرين في الشهرة انتقل الى الترجيح بموافقة الكتاب فقال في مقبولة عمر بن حنظلة ، قال : سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) (عن رجلين من أصحابنا ، بينهما منازعة في دين أو ميراث ، فتحاكما ـ إلى أن قال : ـ فإن كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا ، فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلف فيهما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم ؟ فقال : الحكم ما حكم به أعدلهما ، وأفقههما ، وأصدقهما ، في الحديث ، وأورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر ، قال : فقلت : فإنّهما عدلان مرضيّان عند أصحابنا ، لا يفضل واحد منهما على صاحبه ، قال : فقال : ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الّذي حكما به ، المجمع عليه عند أصحابك ، فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإنَّ المجمع عليه لا ريب فيه ـ إلى أن قال : ـ فإن كان الخبران عنكم مشهورين ، قد رواهما الثقات عنكم ؟ قال : ينظر ، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامة ... )) فالترتيب يمكن استظهاره من هذه المقبولة بالنحو المذكور فيها
واما ما ذكره صاحب الكفاية من اقتصار بعض النصوص على مرجح واحد فانه لا يضر بالترتيب المستفاد من المقبولة باعتبار ان اطلاق هذه النصوص بلحاظ سائر المرجحات يقيد بالترتيب المستفاد من المقبولة، فلو دل النص على الترجيح بمخالفة العامة فنقيده بما هو مستفاد من المقبولة بان الترجيح بهذا بعد التساوي في صفات الراوي والشهرة
والان نعود الى ما كنا فيه فالملاحظ في المقبولة ان مخالفة العامة عطفت على موافقة الكتاب بالواو وسبقت الاشارة الى انه يستفاد من هذا العطف ان المرجح هو مجموع الامرين وليس المرجح كل واحد منهما مستقلاً
وقلنا بانه وان كان العطف بالواو فيه اشعار بان المرجح هو مجموع الامرين ولكن هناك قرائن تمنع من هذا وتقتضي حمل الواو على معنى (او)
منها: ان نفس الجملة عطفت السنة على الكتاب بالواو ولا اشكال بانها هنا بمعنى (او) اذ لا يشترط في ترجيح الخبر الموافق للكتاب ان ينظم اليه موافقة السنة بحيث لو وافق الكتاب ولم يوافق السنة فلا يكون هذا مرجحاً
ومنها: ما تقدم ذكره من ان نفس الرواية حكمت بالترجيح بمخالفة العامة في خبرين عرف حكمهما من الكتاب والسنة (أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة ، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة ، والآخر مخالفاً لهم ، بأيّ الخبرين يؤخذ ؟ فقال : ما خالف العامّة ففيه الرشاد) فيظهر منها ان مخالفة العامة مرجح مستقل لانها ذكرت الترجيح بمخالفة العامة في خبرين تتساوى نسبتهما الى الكتاب والسنة، وحينئذ لا معنى لان ينظم اليها موافقة الكتاب فلا وجه لحمل الواو في الجملة السابقة على معنى الجمع بين المرجحين
ومنها: ان الراوي لم يسأل عن حكم صورة ما اذا كان احدهما موافقاً للكتاب دون الاخر مع موافقتهما للعامة، مما يعني انه استفاد من كلام الامام ان موافقة الكتاب مرجح مستقل ولا يحتاج ان ينظم اليه مخالفة العامة، فالسائل لم يسأل عن هذه الصورة بالرغم من انه كان بصدد استيعاب حكم جميع صور المسألة لانه فهم حكمها
مضافاً الى ان المناسبات الارتكازية عند المتشرعة ترى ان المناسب لجلالة الكتاب وحقانيته انه لا يحتاج الى انضمام شيء اخر معه في الترجيح، فالصحيح ان كلاً منهما مرجح مستقل