الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الاخبار العلاجية

كان الكلام في الرواية الخامسة: وهي مرسلة الحارث بن المغيرة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : ((إذا سمعت من أصحابك الحديث ، وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتّى ترى القائم ( عليه السلام ) ، فتردّ إليه))[1] وقلنا بان السيد الخوئي (قده) اعترض على الاستدلال بها بان مفادها هو جواز العمل باخبار الثقات وليست ناظرة الى حالة التعارض بين الخبرين

وقد لوحظ عليه

اولا: ان تفريع التوسعة على ان يكون كلهم ثقة لا يناسب ان تكون ناظرة الى حجية اخبار الثقات فهذا لا يناسب تعدد الوقائع وتعدد الاخبار فالمناط في حجية خبر الثقة هو وثاقة الراوي لهذا الخبر نفسه فلا معنى لتفريع التوسعة وجواز العمل على ان يكون الكل ثقات فهذا يناسب تعدد الرواة مع وحدة الواقعة فهنا يعقل تفريع التوسعة على وثاقة الكل وهذا مناسب جدا لافتراض التعارض بين الاخبار

الملاحظة الثانية: الذي يظهر من الرواية ان المشكلة تنشأ من افتراض وثاقة الجميع بحيث لو لم نفترض الوثاقة للجميع فلا مشكلة فيعمل بخبر الثقة، وهذا لا يناسب الا افتراض التعارض ففي باب التعارض يقال بان المشكلة تنشأ من وثاقة الجميع، واما في غير مورد التعارض فالمشكلة لا تنشأ من وثاقة الجميع فيعمل بجميع الاخبار اذا كان الكل ثقات ولا تنشأ مشكلة من افتراض وثاقة الجميع، فالظاهر ان الخبر ناظر الى باب التعارض لا الى حجية اخبار الثقات

المناقشة الثانية: يحتمل ان يكون المقصود من التوسعة المذكورة في الرواية هو التوسعة في الوظيفة العملية باعتبار جريان الاصول المؤمنة في الواقعة التي تعارضت فيها الاحاديث

وجوابه ان هذه المناقشة حتى لو تمت فانها لا تجري في جميع الموارد فليس دائماً تكون الواقعة التي تعارضت فيها الاحاديث مجرى للاصول المؤمنة فقد تكون مجرى لاصل منجز كما لو كان هناك عموم فوقاني منجز، كما قد يكون الاصل الجاري في المسألة هو استصحاب التكليف او استصحاب بقاء موضوع التكليف المنجز ومنه يظهر دلالة الرواية على التخيير في المسألة الاصولية، نعم انها لا اطلاق فيها ليتمسك به لاثبات التخيير بين الخبرين المتعارضين في زماننا لانها مختصة بزمان التمكن من الوصول للامام (عليه السلام)، مضافاً الى ضعف سندها بالارسال

الرواية السادسة: ما رواه في عوالي اللآلي عن العلامة مرفوعاً إلى زرارة بن أعين ، قال : سألت الباقر ( عليه السلام ) ، فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيهما آخذ؟ فقال ( عليه السلام ) : « يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر » فقلت : يا سيدي ، انهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم ، فقال ( عليه السلام ) : خذ بقول أعدلهما عندك ، وأوثقهما في نفسك » فقلت : إنهما معا عدلان مرضيان موثقان ، فقال ( عليه السلام ) : « أنظر ما وافق منهما مذهب العامة فاتركه ، وخذ بما خالفهم » قلت : ربما كانا معا موافقين لهم ، أو مخالفين ، فكيف اصنع؟ فقال : « اذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط » فقلت :انهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له ، فكيف اصنع؟ فقال ( عليه السلام ) : ((إذن فتخير أحدهما فتأخذ به وتدع الأخير )) [2]

وقد اعترض السيد الخوئي (قده) بان الامام انما حكم بالتخيير بعد ان فرض الراوي الشهرة في كلا الخبرين والمراد بالشهرة هنا معناها اللغوي المساوق للوضوح والاستفاضة مما يعني ان موردها هو الخبران القطعيان فتكون الرواية اجنبية عن محل الكلام

وهذا الاشكال له عدة اجوبة

الاول: هناك قرائن تدل على ان المراد من الشهرة ليس هو ما ذكره السيد الخوئي (قده) فبمجرد ان قال الامام (خذ بما اشتهر بين اصحابك) افترض السائل ان كلا الحديثين مشهوران وهذا لا ينسجم مع الشهرة بمعنى الاستبانة والوضوح والقطع فلا معنى لحصول قطع بامرين متنافيين فلا بد ان يكون المراد بالشهرة شيئاً اخر غير ما ذكره السيد الخوئي (قده) كما لو كان المقصود منها الشهرة الفتوائية

الثاني: حتى لو افترضنا ان المقصود الشهرة بمعناها اللغوي ولكن بعد افتراض الشهرة في كلا الخبرين رجح الامام (عليه السلام) بصفات الراوي وهذا الترجيح لا يناسب ان يكون الخبرين قطعيين فان هذا غير مقبول عرفاً وعقلائياً وانما يكون الترجيح بصفات الراوي مقبولاً عندما تكون الاخبار ظنية، ولذا حتى لو قلنا بان المراد بالشهرة ما ذكره فلا بد ان نقول ان المقصود بها مرتبة من الشهرة لا تبلغ حد القطع واليقين حتى نحافظ على الترجيح بصفات الراوي بعد افتراض الشهرة في كلا الخبرين، وهذا يعني ان الاخبار لا تكون قطعية فتبقى اخباراً ظنية قابلة للترجيح بصفات الراوي فتدخل في محل الكلام

ومن هنا يظهر دلالة المرفوعة على التخيير بين الحديثين المتعارضين بعد فرض فقدان المرجحات المذكورة فيها، الا ان الرواية غير تامة سنداً والى هنا تتم عمدة الاخبار التي استدل بها على التخيير وتبين ان موثقة سماعة وصحيحة علي بن مهزيار لم تتم دلالتهما واما رواية الحسن بن الجهم ورواية الحارث بن المغيرة فهما غير تامتين سنداً بالارسال واما مكاتبة الحميري فهي غير تامة دلالة اذا فرض تماميتها سنداًومن هنا يتبين عدم ثبوت دليل على ان القاعدة هي التخيير بين الدليلين المتعارضين

[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص122، أبواب صفات القاضي، باب9، ح41، ط آل البيت.
[2] مستدرك الوسائل، المحدّث النوري، ج17، ص304.