الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اخبار الطرح

كان الكلام في الطائفة الثالثة وهي تشتمل على امرين الامر بما وافق الكتاب والامر بترك ما خالف الكتاب وانتهى الكلام الى الامر الثاني والاشكال الذي طرحناه هو ان المخالفة تشمل موارد التعارض غير المستقر فهل يمكن الالتزام بان الخاص والمقيد يطرح أيضا فتكون نتيجته عدم امكان تخصيص العام القراني بخبر الواحد، الا ان هذا لا يلتزمون به

وكان الجواب الأول: بان الخاص يعتبر قرينة على المراد من العام وكذا المقيد فلا تشمله هذه المخالفة لأنها تختص بالمعارضة بنحو التعارض المستقر

والجواب الثاني: العلم الإجمالي بصدور المقيدات والمخصصات للمطلقات القرآنية وهذا العلم الإجمالي تارة نجعله قرينة متصلة على صرف المعارضة الواردة في الاخبار الى المعارضة بنحو التعارض المستقر

فان ابيت فلا اقل من ان هذا العلم الإجمالي يوجب سقوط العمومات القرآنية والمطلقات القرآنية عن الحجية لما ذكرناه من عدم امكان اجراء اصالة العموم في كل العمومات للعلم بان بعضها مخصص قطعاً واجرائها في بعضها ترجيح بلا مرجح

وقلنا بان الصحيح في الامر بأخذ ما يوافق الكتاب انها ليست بصدد جعل الحجية للخبر الموافق وانما هي في مقام بيان ان الكتاب الكريم هو الأساس والمقياس في قبول الحديث ورده فلا بد من ان يعرض عليه غيره

وحينئذ نقول ان المستفاد من الامر الثاني (الامر بطرح ما خالف الكتاب) هو بيان ان المخالفة مانعة من حجية الخبر المخالف، والشيء انما يتصف بالمانعية عند تمامية المقتضي، فالخبر المخالف للكتاب فيه مقتضي الحجية ولكن كونه مخالفاً للكتاب يمنع من تأثير هذا المقتضي، فهو في مقام الارشاد الى ما يمنع من حجية الخبر، وبطبيعة الحال يكون الامر الأول أيضاً في مقام بيان عدم المانع، ولا يظهر من الروايات انها بصدد جعل الحجية التأسيسية للخبر الموافق خصوصاً إذا فسرنا الموافقة بعدم المخالفة

ومن هنا يظهر ان الأقرب من الوجهين السابقين هو الوجه الثاني بقرينة الذيل فان ما يفهم منها ان المخالفة مانعة من حجية الخبر، فالأمر الأول بأخذ الخبر الموافق بمعنى انه لا مانع من الاخذ به من جهة المخالفة للكتاب

وقد يعترض على هذا بانه خلاف ظاهر تفريع الامر بالأخذ بالخبر الموافق للكتاب ورد الخبر المخالف له على قوله (عليه السلام) (ان على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نورا)، فالمفهوم من هذا التفريع ان هذه الطائفة بصدد بيان ان الخبر إذا كان حقاً في الواقع تكون عليه حقيقة تدل عليه وهي الكتاب الكريم وإذا كان الخبر صواباً يكون عليه نور يدل عليه وهو القران الكريم، فيفهم من هذا ان الموافقة معتبرة، فان موضوع الامر بالأخذ هو ان يكون الخبر حق وعليه حقيقة تدل عليه فالموافقة لها موضوعية بالنسبة الى وجوب الاخذ

وجوابه انه يمكن افتراض صحة التفريع بناءً على ما ذكرناه أيضاً بان يأمر بطرح المخالف باعتبار ان المخالفة مانعة من الحجية ويأمر بأخذ الموافق من جهة عدم المانع فيصح التفريع على قوله (لكل حق حقيقة ولكل صواب نورا) لان المراد به ان الكتاب مرجع يرجع اليه وهو الأساس الذي تعرض عليه الأحاديث فالمخالف يطرح والموافق يؤخذ به لعدم المانع من حجيته، فكون القران هو الاساس والمقياس يحفظ حتى على التفسير الذي ذكرناه

ويضاف الى ذلك ما ذكر في الوجه الثاني من ان الحجية التأسيسية للخبر الموافق يصعب الالتزام بها سواء قلنا بان المقصود بالموافقة عدم المخالفة او المقصود بها وجود مضمون الخبر في الكتاب

ومن هنا يظهر ان الصحيح تفسير الموافقة بعدم المخالفة لان هذا هو الذي ينسجم مع ما قلناه من ان الامر بأخذ الموافق ارشاد الى عدم المانع

واما الامر بطرح المخالف للكتاب فيستفاد منه ان المخالفة مانعة من الحجية وهذا انما يصدق اذا فرضنا وجود مقتضي الحجية في الخبر فان النوبة لا تصل الى المانع الا بعد فرض تمامية المقتضي واما اذا فرضنا عدم وجود مقتضي الحجية في الخبر فلا يمكن ان تتصف مخالفته للكتاب بكونها مانعة من حجيته، والذي يؤيد تفسير الامر برد المخالف بالإرشاد الى مانعية المخالفة وتفسير الامر بأخذ الموافق ارشاد الى عدم المانعية هو رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : قال الصادق ( عليه السلام ) :( إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه) [1] فهي تفترض وجود مقتضي الحجية في الخبر المخالف فقد تعرضت الى علاج حالة التعارض بين الحديثين، فيكون الامر برده انما هو لوجود المانع وهو المخالفة، وعلى ضوءه نقول ان الامر باخذ الخبر الموافق والمراد به غير المخالف اشارة الى انه لا مانع من الاخذ به

وهذا الخبر اذا تم سنداً يكون مخصصاً لهذه الطائفة من الاخبار لان المستفاد منه حجية الخبر المخالف في حد نفسه فاذا حملنا المخالفة فيه على المخالفة بنحو التخصيص او التقييد او الحكومة يكون مخصصاً لاخبار هذه الطائفة لانها باطلاقها شاملة لكل مخالف للكتاب

والمخالفة بنحو التخصيص او التقييد او الحكومة لا تسقط الخبر عن الحجية ، بينما الاخبار محل الكلام تقول ان المخالف ليس بحجة فلا بد للجمع بينهما من حمل المخالفة في الاخبار محل الكلام على المخالفة بنحو التباين، وحمل المخالفة في هذا الخبر على المخالفة بنحو التخصيص او التقييد او الحكومة

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص118، أبواب صفات القاضي، باب9، ح29، ط آل البيت.