الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: اخبار الطرح

كان الكلام في الطائفة الثانية من اخبار الطرح المتمثلة برواية ابن ابي يعفور وتبين انها معتبرة سندا واما متنها فقال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اختلاف الحديث، يرويه من نثق به ، ومنهم من لا نثق به ، قال : ((إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) ، وإلاّ فالّذي جاءكم به أولى به))[1]

يعني ان لم تجدوا له شاهداً من كتاب الله سبحانه ولا من قول رسول الله (صلى الله عليه واله)، وهناك كلام في المقصود من اختلاف الحديث فقد يكون المقصود به اختلافه عن المسلمات في الكتاب والسنة القطعية وهذا الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به بالرغم من انه يرويه من نثق به لكنه يكون مخالفا للمسلمات فليس السؤال عن خصوص ما يرويه من لا نثق به وجواب الامام يبين به قاعدة عامة بانه اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب الله او من قول رسول الله (صلى الله عليه واله) فهو حجة والا فمن جاءكم به أولى به أي انه أولى ان يصدر منه من ان يصدر من الرسول (صلى الله عليه واله) فيستفاد منها الاستنكار والتحاشي كما هو الحال في الطائفة الأولى

والرواية جعلت الميزان في قبول الحديث وحجيته هو كونه عليه شاهداً من القران والسنة والمقصود انه يوجد في القران او السنة القطعية دلالة موافقة لمفاد هذا الحديث، والنتيجة ان كل حديث إذا كان في القران دلالة موافقة له فهو حجة واما إذا دل الحديث على مسالة ولم يتعرض القران لهذه المسالة أصلا ًفهذا لا يكون حجة ولا يؤخذ به او انه لم يصدر منهم

وهناك عدة اعتراضات وجهت على الاستدلال بهذا الحديث على ان الميزان في قبول الحديث ان يكون عليه شاهدا من القران والسنة القطعية:

الاعتراض الأول: ان مرجع هذا المفاد الى الغاء حجية خبر الواحد الثقة وهي وان كانت بمدلولها الظاهري تدل على عدم حجية قسم خاص من اخبار الثقات وهو الخبر الذي لا شاهد عليه ولكن يفهم من ذلك عرفاً الغاء حجية خبر الثقة بالمرة لان العرف لا يتقبل ان تكون الحجية ثابتة لخصوص اخبار الثقات التي عليها شاهد من الكتاب والسنة اذ معه لا فائدة من جعل الحجية لهذا الخبر لان الفائدة من جعل الحجية لخبر الثقة هو انه يثبت شيئاً لم يكن ثابتاً بدليل اخر ولذا يكون مفاد هذا الحديث بهذا التفسير بمثابة الغاء حجية خبر الثقة، وحينئذ لا يصح الاستناد الى هذا الخبر الذي هو من اخبار الاحاد لإثبات عدم حجية خبر الواحد

الاعتراض الثاني: لو سلمنا بان هذا الحديث لا يلغي حجية خبر الثقة بالمرة انما هو يخصص حجيته بالخبر الذي عليه شاهد واما الخبر الذي ليس عليه شاهد فليس بحجة

وجوابه ان لازمه اختصاص دليل الحجية بخبر الثقة الذي عليه شاهد وهذا الاختصاص غير مقبول عرفا وحيث ان دليل الحجية العام يأبى الاختصاص بخبر الثقة الذي عليه شاهد من الكتاب والسنة كما تقدم، تكون هذه الرواية معارضة لدليل الحجية لا انها مخصصة له، ومع المعارضة لا يبقى لدينا دليل يدل على حجية هذه الرواية، وهذا بقطع النظر عن ان دليل الحجية العام اقوى منها او انه ثابت بسيرة قطعية وغيرها، فكيف يصح الاستناد اليها لإثبات هذا المفاد

الاعتراض الثالث: ان الاستدلال بهذه الرواية على عدم حجية خبر الثقة الذي لا يكون عليه شاهد من الكتاب والسنة محال باعتبار انه يلزم من حجية هذه الرواية عدم حجيتها لان هذه الرواية من اخبار الثقاة التي ليس عليها شاهد من الكتاب والسنة وكل ما يلزم من ثبوته عدم ثبوته يكون محالا لأنه يلزم الخلف

واجيب عنه بان مفاد الرواية فيه عدة اطلاقات بعدد افراد خبر الثقة الذي ليس عليه شاهد من الكتاب والسنة ففيها إطلاق يشمل خبر زرارة الذي ليس عليه شاهد وإطلاق يشمل خبر محمد بن مسلم كذلك ومن جملة هذه الاطلاقات اطلاقها لنفسها باعتبار ان الرواية نفسها ليس عليها شاهد، والذي يلزم منه المحال هو خصوص الاطلاق الأخير دون غيره فنرفع اليد عن خصوص الاطلاق الأخير وتبقى الرواية شاملة لسائر الاخبار الأخرى التي لا شاهد عليها من الكتاب والسنة القطعية وهذا هو معنى ما يقال من ان مثل هذه القضية لا تشمل نفسها كما في قوله (كل خبري كاذب)

ولكن يلاحظ عليه بانه لو سلمنا بان القضية لا تشمل نفسها فاطلاق الرواية لنفسها محال واما اطلاقها لسائر الاخبار فيبقى على حاله ولكن نحن لا نفرق بين خبر وخبر فأي فرق بين رواية ابن ابي يعفور وبين رواية محمد بن مسلم فان كلا منهما بحسب الفرض ليس عليه شاهد من الكتاب والسنة فاذا كان خبر محمد بن مسلم ليس بحجة فلا بد ان يكون خبر ابن ابي يعفور كذلك فنحن نقطع بعدم الفرق بين هذا الخبر وذاك الخبر فعدم وجود شاهد هو السبب في سلب الحجية عن الخبر فالقطع بعدم الفرق بينهما هو ما يجعل الاعتراض وارداً فالقضية وان لم تشمل نفسها للزوم المحذور العقلي المذكور لكن الحكم المذكور فيها لا بد ان يكون شاملاً لنفس هذه الرواية في واقع الامر فتسقط عن الاعتبار

 


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج27، ص110، أبواب كتاب القضاء، باب9، ح11، ط آل البيت.