41/03/29
الموضوع: انقلاب النسبة
كان الكلام في الحالة الثالثة من الصورة الثانية: وهي ما اذا ورد المخصص على مورد الافتراق لكل من العامين المتعارضين اللذين بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه قلنا هنا يتعارض العام الأول مع الخاص الذي ينافيه والعام الثاني مع الخاص الثاني ولان النسبة بين كل عام ومخصصه هي العموم والمطلق فيتقدم عليه الخاص فيخصصه بمعنى انه (يستحب اكرام العلماء) يخصصه (يجب اكرام العالم العادل) فيخرج منه العادل فيختص دليل الاستحباب بالعالم الفاسق والعام الاخر (يكره اكرام الفساق) يخصصه دليل (حرمة اكرام الفاسق الجاهل) فيختص دليل الكراهة بالعالم الفاسق وهذا معناه ان كلا العامين يختص بمورد واحد وهو العالم الفاسق والأول يدل على استحباب اكرامه والثاني على كراهة اكرامه فيتعارضان بنحو التباين
وحينئذ يقال بانه لا بد من اجراء قواعد باب التعارض على هذين العامين من وجه وقد يسقطان معاً، فانهما يسقطان في مورد الافتراق بالتخصيص وفي مورد الاجتماع بالمعارضة، لان العام الأول اخرجنا منه العالم العادل بالتخصيص والعالم الفاسق يسقط بالمعارضة مع العام الاخر وهكذا العام الثاني اخرجنا منه الفاسق الجاهل بالتخصيص ويخرج منه العالم الفاسق بالمعارضة
واما الخاصان فلا يدخلان في المعارضة فنعمل بهما بان نلتزم بوجوب اكرام العالم العادل وحرمة اكرام الفاسق الجاهل
هذا هو الذي ذهب اليه المحقق النائيني (قده) بمعنى ان المعارضة ذات طرفين فهي تقع بين العامين من وجه بعد تخصيصهما، واما الخاصان لا تسري اليهما المعارضة
وخالفه السيد الخوئي (قده) وذهب الى ان المعارضة تسري من العامين الى الخاصين فكل الأدلة الأربعة تدخل طرفاً في المعارضة ومنشأ التعارض هو العلم الإجمالي بعدم صدور احد المتعارضين، وفي المقام ليس لنا علم اجمالي بكذب احد العامين من وجه وانما لنا علم اجمالي بعدم صدور احد هذه الأدلة الأربعة ويستدل على ما ذكره من ان العلم الإجمالي بعدم الصدور ليس مختصاً بالعامين من وجه بل هو موجود بالنسبة الى كل الأدلة الأربعة هو اننا لو فرضنا عدم صدور احد العامين او احد الخاصين لارتفع التعارض بين الأدلة الثلاثة الباقية، اما لو فرضنا عدم صدور احد العامين كالعام الأول مثلاً فيرتفع التعارض بين الأدلة الباقية وهو واضح باعتبار ان النسبة بين العام الاخر وبين احد الخاصين هي العموم والخصوص المطلق فنخصص العام بالخاص، وهو لا ينافي الخاص الاخر لتعدد الموضوع، كما انه لا تنافي بين الخاصين لتعدد الموضوع، وحينئذ يعمل بهذه الادلة الثلاثة فيلتزم بوجوب اكرام العالم العادل وحرمة اكرام الجاهل الفاسق وكراهة اكرام العالم الفاسق
وكذلك اذا فرضنا عدم صدور احد الخاصين، فمثلا اذا فرضنا عدم صدور الخاص الأول (يجب اكرام العالم العادل) فان الخاص الثاني (يحرم اكرام الجاهل الفاسق) لا ينافي العام الثاني يكره اكرام الفساق لان النسبة بينهما هي العموم المطلق، وبعد تخصيصه بالخاص يكون اخص مطلقاً من العام الأول لأنه اختص بالفاسق العالم فتكون نسبته الى (يستحب اكرام العدول) هي نسبة العام الى الخاص فيخصصه والنتيجة هي استحباب اكرام العالم العادل وكراهة اكرام العالم الفاسق وحرمة اكرام الفاسق الجاهل ولا تنافي بين هذه الاحكام الثلاثة، وهكذا الحال إذا فرضنا عدم صدور الخاص الثاني
وبناء على هذا الكلام لا بد من تطبيق قواعد باب التعارض على كل الأدلة الأربعة فلا بد من ملاحظة الترجيح بين الأدلة الأربعة وطرح المرجوح منها إذا كان، فاذا فرضنا ان العامين مع أحد الخاصين أرجح من الخاص الاخر فيؤخذ به ويطرح الخاص الاخر وهكذا إذا فرضنا ان العام الأول كان مرجوحاً بالنسبة الى الباقي فيؤخذ بالعام الثاني مع الخاصين
ومع فقد المرجح والبناء على التخيير يتخير المكلف في طرح أي من الأدلة الأربعة
وإذا وصلت النوبة الى التساقط فيبنى على تساقط كل الأدلة الأربعة حينئذ معاً
وما ذكره السيد الخوئي له أجوبة نذكر منها جواب السيد الشهيد (قده): ان التعارض السندي له أحد ملاكين
الأول: ان يكون ناشئاً من العلم الإجمالي بكذب أحد السندين بحيث ينصب العلم الإجمالي على السند مباشرة كما لو علمنا بان أحد الراويين أخطأ قطعاً في نقله عن الامام (عليه السلام) وحينئذ يقع التعارض بلحاظ السند حتى إذا فرضنا ان النسبة بين الدليلين هي العموم والخصوص المطلق التي يجري فيها الجمع العرفي ولذا لا مجال في هذه الحالة لتقديم الخاص على العام، فما ضنك في الحالات الأخرى كالتباين وامثالها فلا اشكال انه لا يعمل بهما فنرجع الى قواعد باب التعارض
وهذه الحالة نادرة فعادة ما نحتمل صدق كلا الراويين ونحتمل صدور ما نقلاه عن الامام بالرغم من تعارضهما فمن الممكن ان يصدر كلاهما لأسباب أخرى بان لا يكون أحدهما مراداً جدا نعم ما نعلمه هو ان أحد الظهورين غير مراد جداً للمتكلم قطعاً للتنافي بينهما وهذا معناه ان المعارضة أولاً وبالذات تقع بين الظهورين لا بين السندين
الملاك الثاني للتعارض: ان يتعدى التعارض من الدلالتين الى السندين ففي الحالات الاعتيادية يقع التعارض بين الدلالتين
فاذا أمكن الجمع بين الدلالتين جمعاً عرفياً فنعمل بهما بعد الجمع بينهما جمعاً عرفياً، واما لو استحكم التعارض بينهما فهنا يأتي الملاك الثاني بان يسري التعارض من الدلالتين الى السندين بدليل انه لا معنى للتعبد بحجية السند مع استحكام التعارض في الدلالة، فان معنى استحكام التعارض في الدلالة دخول الحديثين في المجمل، ولا معنى للتعبد بحجية سند دليل دلالته غير واضحة فيسري التعارض الى السند وقد نقول بسقوط السند لأجل اللغوية فان التعبد بحجية السند لغو بعد سقوط حجية الدلالة