الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: انقلاب النسبة

كان الكلام في الصورة الثانية وهي ما اذا ورد عام ومخصصان وكانت النسبة بين المخصصين هي العموم والخصوص من وجه، وقلنا بان حكمها حكم الصورة الأولى وهو انهما يخصصان العام دفعة واحدة وهذا لا ينبغي ان يقع فيه الاشكال في صورة ما اذا كان الخاصين متقارنان زماناً واما اذا كان احد الخاصين متقدم زماناً فقد يقال بانه لا بد من انقلاب النسبة في المقام من العموم والخصوص المطلق الى العموم والخصوص من وجه

والوجه فيه ان الخاص المتقدم حينما يرد في زمانه يخصص العام ولا ينتظر في تخصيصه للعام وجود مخصص اخر بل هو يخصصه راساً فيكون العام حجة في بعض مدلوله وحين يأتي المخصص الثاني المتأخر زماناً تكون نسبته مع هذا العام هي نسبة العموم والخصوص من وجه لأننا نتكلم بناءً على انقلاب النسبة، والميزان في التقديم هي الاخصية بلحاظ الحجية، نعم بناءً على ما هو الصحيح من كون الميزان هو الاخصية بلحاظ الظهور فالنسبة لا تنقلب

وأجاب عنه السيد الخوئي (قده) بقوله: (أنّ الأئمة (عليهم السلام) كلهم بمنزلة متكلم واحد، فانّهم يخبرون عن الأحكام المجعولة في الشريعة المقدسة في عصر النبي (صلّى اللَّه عليه وآله) ولهذا يخصص العام الصادر من أحدهم بالخاص الصادر من الآخر منهم (عليهم السلام) فانّه لولا أنّ كلهم بمنزلة متكلم واحد لا وجه لتخصيص العام في كلام أحدٍ بالخاص الصادر من شخص آخر، فاذن يكون الخاص الصادر من الصادق (عليه السلام) مقارناً مع العام الصادر من أمير المؤمنين (عليه السلام) بحسب مقام الثبوت، وإن كان متأخراً عنه بحسب مقام الاثبات. وكذا الخاص الصادر من الباقر (عليه السلام) فكما أنّ الخاص المقدّم زماناً يكشف عن عدم تعلق الارادة الجدية من لفظ العام بالمقدار المشمول له، كذلك الخاص المتأخر أيضاً يكشف عن عدم تعلق الارادة الجدية من لفظ العام بالمقدار الذي يكون مشمولاً له، وكلاهما في مرتبة واحدة.[1]

ويلاحظ عليه بان ما ذكره من ان الائمة (عليهم السلام) بمنزلة متكلم واحد وان كان صحيحاً ولولاه لما صح تخصيص الكلام الصادر من احد الائمة (عليهم السلام) بالخاص الصادر من امام اخر ولكن هذا لا يصلح جواباً على ما ذكره المشكل، لان المشكل يركز على نكتة السبق الزماني حتى لو صدر الخاصان من امام واحد،

واما ما ذكره من ان الائمة (عليهم السلام) غير مشرعين وانما هم مخبرون عن احكام شرعية سابقة وليسوا في مقام التأسيس فالسبق الزماني في مقام الاثبات ولا سبق في مقام الثبوت وعليه فلا مجال لدعوى انقلاب النسبة لان الخاصان متقارنان زماناً بحسب مقام الثبوت،

وبعبارة أخرى: ان تقديم أحدهما على العام ثم ملاحظة النسبة بين العام وبين والخاص الاخر ترجيح بلا مرجح فلم لا نعكس فنقدم الخاص الثاني على العام ثم نلاحظ نسبة العام الى الخاص الاخر

فلا دخل له بأصل الاشكال فان الاشكال ناظر الى السبق الزماني بين الخاص الأول والخاص الثاني في الحجية فالخاص الأول يخصص العام ويسقطه عن الحجية في بعض مدلوله والخاص الثاني انما يكون حجة من حين وروده لا قبله، فاذا لاحظنا العام والخاص الثاني نجد ان النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه بناءً على ان الميزان في الاخصية هو الاخصية بلحاظ الحجية ، بينما كان جواب السيد الخوئي (قده) ناظراً الى السبق الزماني في مدلول الخطاب فذهب الى انه لا سبق زماني في مدلول الخطابين لان الاحكام الشرعية ثابتة في زمان واحد في مقام الثبوت، وقد عرفت ان مصب الاشكال غير هذا، فحتى لو آمنا بما ذكره السيد الخوئي (قده) فان الخاص الأول يكون حجة عند وروده لشمول ادلة الحجية له فلا بد ان يخصص العام، والخاص الثاني وان كان مدلوله ثابتاً في نفس زمان الخاص الأول ولكن لا يمكن ان يقال بانه حجة قبل وروده، فقبل ورود المخصص الثاني لدينا مخصص واحد وهو حجة فلا بد ان يخصص العام ويسقطه عن الحجية في بعض مدلوله، ولازم ذلك انقلاب النسبة بين العام بعد التخصيص وبين المخصص الثاني

والصحيح في الجواب عن الاشكال هو ما ذكره السيد الشهيد (قده) من (أن تحكيم المخصص على العام وتخصيصه به في كل زمان موقوف على حجية الخاصّ في ذلك الزمان ، فليس ورود الخاصّ في زمان معناه ارتفاع حجية العام إلى الأبد ، ولذلك يرجع العام حجة فيما إذا ورد عليه مخصص أو معارض بعد ذلك ، وعلى هذا الأساس يعرف : أن تخصيص العام في زمن ورود الخاصّ الثاني بالنسبة إلى كل من المخصصين موقوف على حجية ذلك المخصص في ذلك الزمان ، ولا تجدي حجيته في زمن أسبق ، ومن الواضح ، أن حجية كل واحد من المخصصين في زمان صدور الخاصّ الثاني في رتبة واحدة ، وإن كانت إحدى الحجيتين بقائية والأخرى حدوثية. فتخصيص العام بإحداهما قبل الأخرى ترجيح بلا مرجح.[2]

ولازم هذا ان نخصص العام بهما معاً بلا ترتيب في العلاج كما في الصورة الأولى فيكون حكم الصورة الثانية حكم الصورة الأولى مطلقاً


[1] موسوعة الامام الخوئي، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج48، ص472.
[2] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، السيد محمود، ج7، ص306.