الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: انقلاب النسبة

كان الكلام في الوجه الثالث لدعوى انقلاب النسبة: وهو مبني على ما تقدمت الإشارة اليه من ان دلالة أداة العموم على العموم ليست بالوضع وانما هي ثابتة بمقدمات الحكمة وجريان الاطلاق في مدخول كل، والمخصص المنفصل في محل الكلام يكون منافياً للإطلاق في المدخول فسوف يهدم الاطلاق في هذا العام، والعموم يتوقف على الاطلاق بحسب هذا الراي فينعقد ظهور العام في غير ما خرج بالتخصيص فيكون اخص مطلقاً من العام الثاني فتنقلب النسبة بين العامين من العموم والخصوص من وجه الى العموم والخصوص المطلق

وهذا الوجه يلاحظ عليه:

أولا: ان أصل المبنى غير تام فان دلالة أدوات العموم على العموم بالوضع وليست متوقفة على مقدمات الحكمة

وثانيا: ان الالتزام بهذا المبنى لوحده لا يكفي للوصول الى هذه النتيجة بل لا بد من ضم دعوى أخرى له وهي ان مقدمات الحكمة انما تجري في المراد الجدي وحينئذ يقال بانه بورود المخصص المنفصل تتضيق دائرته فيكون المراد الجدي هو خصوص العلماء العدول فان المراد الجدي يتأثر بالمخصص المنفصل، فينعقد الظهور في ما عدا الخاص

واما إذا قلنا بان مقدمات الحكمة تجري في المراد الاستعمالي لا في المراد الجدي، والمراد الاستعمالي لا يتأثر بالمخصص المنفصل، فنجري مقدمات الحكمة في المراد الاستعمالي لإثبات العموم فيه وهو لا يتأثر بالمخصص المنفصل فيبقى على سعته حتى بعد ورود المخصص، وحينئذ تكون النسبة بين هذا العام وبين العام الاخر هي نسبة العموم من وجه فلا تنقلب النسبة

وبهذا يتضح انه ليتم هذا الوجه لا بد من الالتزام بأمرين، وكل منهما ليس واضحاً

ومما تقدم يتبين ان عمدة ما استدل به على انقلاب النسبة هي دعوى ان الاخصية الموجبة لتقديم الخاص على العام هي الاخصية بلحاظ الحجية أي بمقدار ما يكون الدليل حجة فيه، وعلى هذا الأساس قالوا انه في محل الكلام يتقدم العام المخصص بالمنفصل على العام الاخر؛ لأنه بعد خروج الخاص منه يكون أخص من الاخر، فانه لا يكون حجة الا في ما عدا الخاص

وذكرنا بان التسليم بتقديم الخاص على العام لا ينتج بالضرورة ما ذكروه من ان الاخصية الملحوظة في التقديم هي الاخصية بلحاظ الحجية لإمكان ان تكون الاخصية الملحوظة هي الاخصية بلحاظ ذات الدليل أي ما يكون الدليل ظاهراً فيه، وهذه غير موجودة في محل الكلام لان النسبة بين العام المخصص بالمنفصل وبين العام الاخر بلحاظ ما يكون كل من الدليلين ظاهراً فيه هي العموم والخصوص من وجه

والظاهر ان الصحيح ان الاخصية التي هي الميزان في تقديم الخاص على العام هي الاخصية بلحاظ ذات الدليل لا بلحاظ كونه حجة، لأن أي وجه نعتمد عليه لتخريج تقديم الخاص على العام هو ينتج هذه النتيجة

فعلى الوجه الصحيح في تقديم الخاص على العام وهو دعوى ان الخاص اظهر في مورده من العام في نفس المورد لان شمول العام لمورد الخاص بالعموم والاطلاق بينما الخاص يختص بمورده لأنه وارد فيه، والاختصاص بالمورد في مقابل عدم الاختصاص يخلق حالة الاظهرية، وهذه الاظهرية توجب تقديم الخاص على العام بقانون تقديم الاظهر على الظاهر

وهذا الوجه ينسجم مع كون الميزان في الاخصية هي الاخصية في الظهور لا في الحجية باعتبار ان سقوط العام عن الحجية في بعض مدلوله لا يؤثر في دلالته وظهوره، باعتبار ان هذا العام (اكرم العلماء) كظهور لا يختص بالعلماء العدول وان سقط عن الحجية في غير العلماء العدول، فسقوطه عن الحجية في بعض مدلوله لا يوجب اختصاصه في غير ما خرج بالتخصيص، فلا يكون اظهر في العلماء العدول من العام الاخر (يستحب اكرام العدول) واذا لا يختص بها تنتفي نكتة الاظهرية فلا يتحقق التقديم، فالنسبة بينهما كظهورين هي العموم والخصوص من وجه،

والنتيجة ان هذا الوجه في التقديم ينسجم مع هذا الراي أي التقديم باعتبار الاخصية بلحاظ الظهور لا الاخصية بلحاظ الحجية.