الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: انقلاب النسبة

كان الكلام في الدليل الثاني على انقلاب النسبة: وهو ما ذكره الميرزا النائيني[1] (قده) من ان للكلام ثلاث دلالات دلالة تصورية ودلالة تصديقية أولى ودلالة تصديقية ثانية وذكر بان الدلالة التصديقية الأولى وهي دلالة الكلام على ان المتكلم يقصد تفهيم الكلام للمخاطب تنثلم بالقرينة المتصلة ولا تنثلم بالقرينة المنفصلة، بينما الدلالة التصديقة الثانية تنهدم بالقرينة المتصلة والقرينة المنفصلة،

وبعد ان قسم الدلالات وذكر احكامها ذكر بان الاخصية في المقام هي الاخصية في مقام كشف الكلام عن المراد الجدي للمتكلم وهي الدلالة التصديقية الثانية وهذه الدلالة يؤثر فيها القرينة المنفصلة فضلاً عن المتصلة

والميزان في التقديم بالاخصية هو الاخصية بلحاظ الدلالة التصديقية الثانية بمعنى ان الكلام إذا كان في مقام كشفه عن المراد الجدي أخص من دليل اخر قدم عليه، والعام المخصص بالمنفصل في مقام الكشف عن المراد الجدي هو أخص من الاخر باعتبار ان الفساق خرجوا من العام بالخاص المنفصل فما يراد جدا بقوله (أكرم العلماء) هو العلماء العدول وهذا أخص مطلقاً من (يستحب اكرام العدول)

نعم إذا كان الميزان بالتقديم في الاخصية هو الاخصية في الدلالة الأولى او الثانية فهنا لا يلزم انقلاب النسبة باعتبار ان الدلالة الثانية فضلاً عن الأولى لا تتأثر بالمخصص المنفصل، ولكنه ذكر ان الصحيح ان الميزان هو الاخصية في الدلالة الثالثة

وفي الحقيقة ان هذا الوجه لا يختلف في جوهره عن الوجه الأول الا في العبارة والبيان، فكلا الوجهين مرجعه الى دعوى ان تقديم الخاص على العام يكون بلحاظ ما يكون الدليل حجة فيه، فلا معنى لقوله ان التقديم بالاخصية يكون بلحاظ الدلالة الثالثة الا ان التقديم يكون بلحاظ الاخصية في مقام الكشف عن المراد الجدي للمتكلم، فيرد عليه ما اوردناه على الوجه الأول من انه لم يقم برهان على هذه الدعوى فيمكن طرح دعوى في مقابلها وهي ان الميزان في التقديم هو الاخصية في الظهور، وفي المقام هما متساويان في الظهور فكل من العامين يشمل مادة الاجتماع بالعموم فالنسبة بينهما عموم وخصوص من وجه كما كانت قبل التخصيص

هذا بناءً على ما هو المعروف من ان المخصص المنفصل لا يهدم الظهور وانما يسقطه عن الحجية، واما بناءً على ما قد يقال من ان المخصص المنفصل يهدم أصل الظهور كالمتصل فلا يبقى للعام ظهور في العموم وانما ينعقد ظهوره في ما عدا الخاص، وبناءً على هذا تكون دعوى انقلاب النسبة أوضح لان النسبة هي العموم والخصوص المطلق سواء لاحظنا الحجية او لاحظنا الظهور

وجواب هذا الكلام بإنكار هذا المبنى فان المخصص المنفصل لا يهدم الظهور لان الظهور في العموم قد انعقد واستقر بالفراغ من الكلام من دون قرينة وبعد استقراره لا يمكن ان ينقلب، غاية الامر ان المخصص المنفصل يكون معارضاً له فيتقدم عليه، نعم هو يتأثر بالمخصص المتصل لان ظهور الكلام لا ينعقد الا بانتهاء المتكلم من كلامه فان بناء العقلاء قد استقر على ان للمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء من القرائن

والحاصل ان المخصص المنفصل لا يوجب تضييق دائرة دلالة العام على العموم وانما يوجب تضييق دائرة حجيتها.

الدليل الثالث: وهو مبني على ما تقدمت الإشارة اليه في مبحث العام والخاص من الراي القائل بان دلالة أداة العموم على العموم ليست وضعية وانما هي موضوعة لما يراد من مدخولها فلا بد من اجراء مقدمات الحكمة في مدخولها واثبات الاطلاق فيه، ولا اشكال في ان هذا الاطلاق ينتفي بورود المخصص المنفصل فيكون المخصص المنفصل كاشفاً عن ان المتكلم لم يكن في مقام بيان من ناحية قيد (العلماء) في المثال فلا يستقر للعام ظهور في الاطلاق وانما يستقر ظهوره في ما عدا الخاص وهو (العلماء العدول) وهو اخص من العام الاخر فيتقدم عليه بالتخصيص وهو معنى انقلاب النسبة


[1] أجود التقريرات‌، الخوئي، السيد أبوالقاسم، ج4، ص301.