41/03/18
الموضوع: انقلاب النسبة
بعد استعراض راي المحقق الانصاري وراي المحقق الخراساني (قدهما) يظهر من كلامهما ان الدليل على انقلاب النسبة هو مسالة ان التعارض يلاحظ باعتبار ما يكون الدليل حجة فيه لا باعتبار الظهور الاولي للدليل، فاذا كانت النسبة بهذا الاعتبار عموم من وجه فلا يوجد جمع عرفي وان كانت عموم وخصوص مطلق بان كان احد الدليلين بما هو حجة اخص من الاخر بما هو حجة قدم عليه بالتخصيص، فاذا فرضنا في المورد الثاني المتقدم كان هناك عامان وخاص فاذا خصصنا احد العامين وهو (اكرم العلماء) بمخصصه وهو (لا تكرم الفساق) فبعد التخصيص يكون حجة في العلماء العدول فستكون نسبته الى العام الاخر وهو يستحب اكرام العدول هي العموم والخصوص المطلق لأنه بما هو حجة اخص من العام الاخر بما هو حجة فيتقدم عليه بالتخصيص وهذا هو معنى انقلاب النسبة لان النسبة بينهما بقطع النظر عن المخصص هي العموم والخصوص من وجه وبعد ملاحظة المخصص تكون النسبة العموم والخصوص المطلق، باعتبار ان ما يلاحظ في باب التعارض هو الدليل بمقدار ما يكون حجة فيه
واما الطرف الاخر الذي ينكر انقلاب النسبة فانه يقول ان الذي يلحظ هو الدليل بما هو ظاهر في معناه فالتعارض بين الظهورين الأوليين للدليلين فالنسبة لا تتبدل بينهما بعد التخصيص بل تبقى هي العموم والخصوص من وجه فان ظهور الدليل لا ينثلم بالمخصص المنفصل
ويستدل لذلك بادلة:الدليل الأول: ما يفهم من كلام صاحب الكفاية، من ان التعارض انما يقع بين المتعارضين إذا كان كل واحد منهما حجة في نفسه وبقطع النظر عن المعارضة، فما يقع طرفاً للمعارضة مع الدليل الاخر هو المقدار الذي يكون حجة فيه ومن الواضح ان ما يكون (أكرم العلماء) حجة فيه بعد ورود المخصص المنفصل هو بعض مدلوله لا تمامه فسوف تنقلب النسبة
والحاصل ان التعارض انما يكون بعد فرض حجية كل واحد من الدليلين المتعارضين في نفسه وبقطع النظر عن المعارضة، والمفروض سقوط أحد الدليلين عن الحجية في العموم وهو (أكرم العلماء) بسبب المخصص المنفصل ويكون حجة في (العلماء العدول) ولا بد ان يكون معارضاً لعموم الاخر بمقدار ما يكون حجة فيه
ولوحظ عليه: بان ما ذكر في الدليل من تقوم التعارض بالحجية امر مسلم ولكن الكلام في تقديم احد الدليلين المتعارضين على الاخر وبالتحديد فان الكلام في ان الاخصية الموجبة لتقديم الأخص على الاعم هل هي بلحاظ الحجية او بلحاظ الظهور الاولي، فليس بالضرورة عندما نقول ان الخاص يتقدم على العام ان الاخصية بلحاظ الحجية بل يمكن ان يكون الميزان هو الاخصية بلحاظ الظهور الاولي، وفي هذا الدليل لم يبرهن على ان الميزان في التقديم هو الاخصية بلحاظ الحجية، بينما لو كان الملحوظ هو الاخصية بلحاظ الظهور فلا توجد اخصية في محل الكلام لان النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه فتبقى النسبة محفوظة
الدليل الثاني: ما ذكره الميرزا النائيني[1] (قده) وحاصله يتضح بمجموع مقدمتين:
المقدمة الأولى: ان الكلام له ثلاث دلالات:
الأولى: الدلالة التصورية وهي التي ينتقل فيها الذهن الى المعنى بمجرد سماع اللفظ وهي لا تتوقف على صدور الكلام عن إرادة وقصد بل هي تحصل بمجرد سماع اللفظ حتى لو صدر من الحجر، وواضح ان القرينة المتصلة لا تؤثر فيها فضلا عن المنفصلة
الثانية: الدلالة التصديقية الأولى وهي دلالة الكلام على قصد المتكلم تفهيم المعنى المستفاد من الكلام سواء دل عليه اللفظ وحده او دلت عليه القرينة المحتفة بالكلام، وواضح ان هذه تتوقف على صدور الكلام عن قصد وإرادة وهي تنهدم بالقرينة المتصلة دون المنفصلة بخلاف الأولى، فلو قال (رأيت اسداً) فانه يوجب تفهيم معنى الأسد للمخاطب ولكن حين تأتي القرينة وهي قوله (يرمي) متصلة به فسوف ينقلب المعنى من الحيوان المفترس الى الرجل الشجاع وينعقد ظهور اخر على انه يقصد تفهيم معنى ما دلت عليه القرينة للمخاطب
الثالثة: الدلالة التصديقية الثانية وهي دلالة الكلام على ان المعنى المراد تفهيمه للمخاطب مراد جداً له، وهذه الدلالة تنهدم بالقرينة المنفصلة فضلاً عن المتصلة
المقدمة الثانية: ان الميزان في التقديم بالاخصية هو الاخصية في الدلالة الثالثة وهي متحققة في محل الكلام فان (أكرم العلماء) لا يكشف كشفاً فعلياً عن المراد الجدي الا بلحاظ المخصص فما يريده جداً هو (العلماء العدول) وهذا المراد الجدي أخص من الدليل الاخر فيتقدم عليه بالتخصيص، وهذا معنى انقلاب النسبة.