41/03/14
الموضوع: انقلاب النسبة
كان الكلام في انقلاب النسبة وبينا كيف تختلف النتيجة بناءً على القول بانقلاب النسبة وعدمه، وذكرنا مثالاً لانقلاب النسبة وهو ما اذا كان هناك عامان وورد مخصص لاحدهما كما لو ورد (لا باس ببيع العذرة) و (ثمن العذرة سحت) والخاص هو (لا يحل بيع عذرة ما لا يؤكل لحمه)
والمثال الثاني ما إذا ورد عام وورد في مقابله خاصان مخالفان له وبين الخاصين عموم وخصوص من وجه كما لو قال (أكرم العلماء) وورد في دليل (لا تكرم العالم الفاسق) وورد في دليل اخر (لا تكرم العالم النحوي)
فعلى القول بعدم انقلاب النسبة فلا بد ان نخصص العام بكلا الخاصين فيختص العام بعد التخصيص بالعالم غير الفاسق وغير النحوي، واما بناءً على انقلاب النسبة فلابد من ملاحظة العام مع احد الخاصين ولنفترض اننا لاحظناه مع الخاص الأول والنسبة بينهما هي نسبة العموم المطلق فنخصص العام به فنخرج من العام فُسّاق العلماء وحينئذ يقال بان نسبة العام بعد التخصيص الى المخصص الثاني سوف تنقلب لأنها كانت العموم المطلق وبعد التخصيص تصبح العموم والخصوص من وجه
وقيل بان المعروف هو عدم انقلاب النسبة ونسب ذلك الى الشيخ الانصاري واختاره صاحب الكفاية، ولكن الذي يظهر من كلام الشيخ الانصاري التفصيل بين الموارد، فذكر بانه تارة تكون نسبة المتعارضات الى الدليل نسبة واحدة كما في المثال الثاني فان نسبة الخاصين (لا تكرم الفساق ولا تكرم النحويين) الى العام (اكرم العلماء) واحدة وهي نسبة العموم والخصوص المطلق، وأخرى تكون مختلفة، فاذا كانت نسبتها واحدة فلا تنقلب النسبة بل يخصص العام بهما معاً فيخرج كل منهما من حكم العام ويختص العام بالعالم غير الفاسق وغير النحوي، نعم اذا لزم من هذا التخصيص محذور فلا نلتزم به، كما لو ورد (اكرم العلماء) وورد (لا تكرم فساق العلماء) وورد (يستحب اكرام عدول العلماء) فاذا خصصنا العام بهما معاً يلزم محذور بقاء العام بلا مورد بعد اخراج الفساق بالمخصص الأول وإخراج العدول بالمخصص الثاني، ففي هذه الحالة لا يجوز تخصيص العام بالخاصين بل يكون حكم العام مع الخاصين حكم المتباينين ونطبق عليه قواعد باب التعارض
وفي هذه المسالة خلاف للفاضل النراقي[1] -كما أشار اليه الشيخ (قده)- حيث ذهب الى انه لا يلتزم بتخصيص العام بالخاصين بل ذهب الى انقلاب النسبة بان نخصص العام بأحد المخصصين ثم نلحظ نسبة العام بعد التخصيص مع المخصص الاخر فنجد ان النسبة قد انقلبت
وكان المحقق النراقي قد ذكر ذلك في فرض ما إذا كان الخاص الأول لبياً لا لفظياً كما إذا فرضنا ان (لا تكرم الفساق) كان ثابتاً بالاجماع
واستبعد الشيخ الانصاري (قده) ان يلتزم بذلك في ما اذا كان كلا الخاصين لفظياً حيث قال: (ولا أظن يلتزم بذلك فيما إذا كان الخاصان دليلين لفظيين، إذ لا وجه لسبق ملاحظة العام مع أحدهما على ملاحظته مع الآخر.وإنما يتوهم ذلك في العام المخصص بالإجماع أو العقل، لزعم أن المخصص المذكور يكون كالمتصل، فكأن العام استعمل فيما عدا ذلك الفرد المخرج، والتعارض إنما يلاحظ بين ما استعمل فيه لفظ كل من الدليلين، لا بين ما وضع له اللفظ وإن علم عدم استعماله فيه، فكأن المراد بالعلماء في المثال المذكور عدولهم، والنسبة بينه وبين النحويين عموم من وجه)[2] وقد ناقشه الشيخ الانصاري بنقاش مذكور في رسائله (قده)
واما إذا كانت نسبة المتعارضين الى الدليل مختلفة كما إذا ورد عامان وكانت النسبة بينهما عموم وخصوص من وجه مثل (أكرم العلماء) و (يستحب اكرام العدول) ثم ورد مخصص لأحدهما مثل قوله (لا تكرم فساق العلماء) فنسبته الى العام الأول هي نسبة الخاص الى العام بينما نسبته للثاني هي التباين، وفي هذه الحالة ذهب الشيخ الانصاري الى انقلاب النسبة وحكم بتخصيص العام الأول بالخاص ثم يلاحظ هذا العام بعد تخصيصه بالنسبة الى العام الاخر، وبعد التخصيص يكون العام الأول أخص منه، فيختص العام الثاني بالعدول غير العلماء
واستدل على القول بانقلاب النسبة بانه إذا لم نقدم العام بعد تخصيصه على العام الاخر وفرضنا العكس يلزم بقاء العام الأول بلا مورد لأننا اخرجنا منه فساق العلماء بالتخصيص ولو قدمنا (يستحب اكرام العدول) عليه فسوف نخرج العدول عنه فلا يبقى له مورد
وذهب صاحب الكفاية الى عدم انقلاب النسبة من دون هذا التفصيل، ولكن المحقق النائيني والسيد الخوئي (قدهما) ذهبا الى انقلاب النسبة وادعى السيد الخوئي ان هذا من الأمور الواضحة التي قياساتها معها.