الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/03/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصل الثانوي في الدليلين المتعارضين

الوجه الثالث: دعوى ان ما تقدم سابقاً من تعدد الحكم بعدد افراد الطبيعة في المطلق الشمولي وكون الحكم واحداً لا تعدد فيه في المطلق البدلي وكون التصرف في الاطلاق الشمولي مستلزماً لرفع اليد عن الحكم الشرعي المدلول للخطاب الشرعي في حين ان التصرف في المطلق البدلي ليس فيه تصرف في الحكم وانما هو تصرف في سعة دائرة الحكم وضيقها

يوجب اقوائية ظهور الاطلاق الشمولي في المطلق الشمولي من الاطلاق البدلي في المطلق البدلي واذا اوجب ذلك يدخل في كبرى تقديم اقوى الظهورين وهو نحو من انحاء الجمع العرفي باعتبار ان التصرف في المطلق البدلي اسهل من التصرف في المطلق الشمولي لأنه ليس فيه رفع لليد عن حكم مدلول للخطاب بينما التصرف في المطلق الشمولي فيه رفع لليد عن حكم مدلول للخطاب

ولعله يشهد لذلك انه لم يتوقف أحد من الفقهاء في تقديم دليل (لا تغصب) واطلاقه شمولي على دليل (اقيموا الصلاة) واطلاقه بدلي فهو من قبيل ما نحن فيه، بناءً على عدم جواز اجتماع الامر والنهي والا فلو قلنا بجواز اجتماعهما فلا يقع تعارض بين الدليلين

الوجه الرابع: تقديم المطلق الشمولي على أساس ما تقدم في بحث اجتماع الامر والنهي من ان العامين من وجه المتعارضين اذا كان احدهما الزامياً والأخر ترخيصياً يقدم الالزامي على الترخيصي حتى لو كان كل من الدليلين شمولياً كما لو ورد بدليل ان اكل الجبن حلال وفي قباله ورد حرمة الغصب فبينهما عموم وخصوص من وجه وكل منهما شمولي ومع ذلك يلتزم بحرمة اكل الجبن المغصوب فيختص دليل اباحة اكل الجبن بغير المغصوب بنكتة ان الدليل الترخيصي لا يستفاد منه الا الحلية الحيثية بمعنى ان الجبن بعنوانه ليس فيه ما يقتضي الالزام بالترك ومن الواضح ان هذا الحكم الحيثي لا ينافي الالتزام بحرمة اكل الجبن اذا تعنون بعنوان يقتضي الالزام كما اذا تعنون بعنوان الغصب

وفي محل الكلام يقال بانه لدينا مطلق شمولي وهو (لا تكرم الفاسق) وفي قباله اطلاق بدلي (أكرم عالماً) وهو -كما تقدم- يتضمن ترخيصات في تطبيق الطبيعة على أي فرد من افرادها بعدد الافراد، وهذا الترخيص يعني انه ليس في عنوان العالم ما يقتضي عدم جواز التطبيق حتى على مادة الاجتماع ولكن جواز التطبيق على مادة الاجتماع من حيث هو عالم لا ينافي انطباق عنوان اخر عليها يقتضي النهي عن اكرامه

فلدينا ترخيص في تطبيق الطبيعة على افرادها وفي المقابل لدينا إلزام، ولكن هذا الترخيص ترخيص حيثي بمعنى ان العالم ليس فيه ما يقتضي الالزام بالترك وعدم التطبيق وهذا لا ينافي وجود عنوان اخر ينطبق عليه ويقتضي عدم التطبيق وهذا معناه الالتزام بالنتيجة السابقة وهي عدم جواز اكرام مادة الاجتماع

وهذا الوجه يتوقف على ان نفهم من الدليل الدال على الاطلاق البدلي انه يدل على الترخيص في تطبيق الطبيعة على أي فرد من افرادها والا فلا يمكن قياس المقام بمثال حلية اكل الجبن، لان كل من أكرم عالماً ولا تكرم الفاسق حكم الزامي

ومما تقدم يظهر ان الصحيح هو ما ذهب اليه المشهور وهو المعروف من تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي لان بعض الوجوه المتقدمة تام وعلى الاقل تمامية الوجه الثالث والرابع، بل يمكن ادعاء ان هذا مما جرى عليه العرف فهو لا يتوقف في تقديم المطلق الشمولي، والسيرة جارية على ذلك

المورد الثالث: انقلاب النسبة

ومن ذهب الى انقلاب النسبة جعلها من القضايا المسلمة التي قياساتها معها وفي المقابل هناك من لم يؤمن بمسالة انقلاب النسبة

وفي هذا البحث نتكلم عن التعارض بين أكثر من دليلين

وبعبارة أوضح: نتكلم عن تعارض بين دليلين لكن لا بلحاظ نفس الدليلين بل بلحاظ دليل ثالث، وموضوع هذا البحث هو ما إذا كانت النسبة بين الدليلين تختلف بلحاظ الدليل الثالث وعدمه

وقد نفترض ان النسبة بين الدليلين هي نسبة العموم والخصوص من وجه ولكنها تكون بملاحظة الدليل الثالث نسبة العموم المطلق وقد يكون العكس، كما قد تكون النسبة بينهما التباين إذا لاحظناهما في نفسيهما ولكنها تنقلب الى عموم مطلق او من وجه إذا لاحظنا الدليل الثالث

والكلام يقع في اننا في مقام الجمع العرفي بين الدليلين هل نبني على ملاحظة نسبة كل واحد من الدليلين في نفسه الى الاخر من دون ملاحظة الدليل الثالث او لا بد من ملاحظة الدليل الثالث؟

مثلاً إذا ورد دليلان عامان متباينان من قبيل ((ثمن العذرة سحت)) وورد ((لا بأس ببيع العذرة)) وورد خاص موافق لأحدهما ومخالف للآخر كقوله ((لا يحل بيع عذرة ما لا يؤكل لحمه)) فبناءً على القول بعدم انقلاب النسبة لا بد من العمل بالخاص في مورده فنلتزم بحرمة بيع عذرة ما لا يؤكل لحمه وتبقى النسبة بين العامين كما هي ولا يمكن القول بان هذا الخاص يخصص احد الدليلين فنتعامل معهما معاملة التعارض المستقر فيحكم بتساقطهما، فلابد ان نرجع الى الأصول العملية في سائر الموارد غير عذرة ما لا يؤكل لحمه