41/03/11
الموضوع: الأصل الثانوي في الدليلين المتعارضين
كان الكلام في الموارد التي وقع الكلام في انها تدخل في باب التعارض المستقر فيسري التعارض الى دليل الحجية او انها من باب التعارض غير المستقر فيجمع بينهما جمعاً عرفياً، وتكلمنا عن المورد الأول وهو تعارض العام مع المطلق
والمورد الثاني: هو تعارض المطلق الشمولي مع المطلق البدلي، فهل يدخل في باب التعارض المستقر او التعارض غير المستقر
والمورد الثالث: هو ما يسمى بانقلاب النسبة ففي مورد انقلاب النسبة أيضاً يأتي هذا الحديث وان الأدلة التي يقع بينها التنافي هل تدخل في التعارض المستقر او تدخل في التعارض غير المستقر
والكلام الان في المورد الثاني وهو تعارض المطلق الشمولي والمطلق البدلي كما إذا ورد لا تكرم فاسقاً وورد في قباله اكرم عالماً فالأول اطلاقه شمولي والثاني اطلاقه بدلي فمقتضى الأول هو ان الحكم ينحل الى احكام متعددة بعدد افراد الطبيعة فكل فرد من افراد الطبيعة يكون له حكم وله اطاعة مستقلة وعصيان مستقل، بينما الاطلاق البدلي يعني ان هناك حكم واحد تعلق بالطبيعة او بالفرد على سبيل البدل
فهذان دليلان يتنافيان بنحو العموم والخصوص من وجه ومادة الاجتماع هي العالم الفاسق، ومقتضى الدليل الأول عدم جواز اكرام مادة الاجتماع بينما مقتضى الاطلاق البدلي في الدليل الثاني هو جواز تطبيق الطبيعة على مادة الاجتماع،
وبعد وضوح التنافي بين هذين الدليلين يقع الكلام حول دخول هذا في باب التعارض المستقر او انه يدخل في باب التعارض غير المستقر
والمنسوب للشيخ الانصاري (قده) انه يرى دخوله في باب التعارض غير المستقر ولا بد من تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي والنتيجة اخراج مادة الاجتماع من الاطلاق البدلي وتقييده بغير مورد الاطلاق الشمولي، واختار المحقق النائيني (قده) هذا الراي صريحاً، ويستفاد من كلامه ان هناك وجهان لهذا التقديم:
الأول: ما اشرنا اليه من اختلاف الاطلاق الشمولي عن الاطلاق البدلي من ناحية انحلال الحكم في الاطلاق الشمولي الى احكام متعددة بعدد افراد الطبيعة فيكون لكل فرد من افراد الطبيعة حكم خاص به وله امتثال خاص ولا علاقة له بامتثال الاحكام الأخرى، بينما لا يوجد في الاطلاق البدلي الا حكم واحد يتعلق بالطبيعة، نعم يمكن تحقق امتثال هذا الحكم الواحد باي فرد من افراد الطبيعة الا ان هذا لا يعني تعدد الحكم بل هو حكم واحد يتعلق بالطبيعة بنحو صرف الوجود، وحينئذ فان تقديم الاطلاق البدلي يلزم منه محذور رفع اليد عن حكم من احكام الشارع فمعنى تقديم الاطلاق البدلي شموله لمادة الاجتماع مما يعني رفع اليد عن حكم من الاحكام التي يقتضيها الاطلاق الشمولي بينما لا يلزم هذا المحذور من تقديم الاطلاق الشمولي اذ ليس في الاطلاق البدلي الا حكم واحد ولم نرفع اليد عنه غاية الامر اننا ضيقنا دائرته
وبعبارة أخرى: ان تقديم الاطلاق البدلي على الشمولي يستلزم رفع اليد عن جزء من مدلول الكلام باعتبار ان مدلول الكلام في الاطلاق الشمولي هو الانحلالية وتعدد الاحكام بتعدد الافراد، بينما لا يلزم رفع اليد عن جزء من مدلول الكلام لو قدمنا الاطلاق الشمولي وانما يلزم تضييق دائرة الكلام فقط، وحينئذ يقال انه لا بد من المصير الى تقديم الاطلاق الشمولي
وقد أجاب السيد الخوئي (قده) عن هذا الوجه بجوابين:الأول: ان هذا مجرد استحسان فان مجرد كون هذا إطلاق شمولي وذاك بدلي لا يعتبر قرينة موجبة للاظهرية، والتقديم في باب الأدلة يخضع لقانون الاظهرية، فان كلاً منهما إطلاق يتوقف الشمول فيه على اجراء مقدمات الحكمة
ولكن الظاهر ان المحقق النائيني (قده) لا يريد ان يقول ان التقديم لا على أساس الاظهرية بل هو يدعي ان الاطلاق الشمولي يعتبر قرينة على التصرف في الاطلاق البدلي، وإذا كان هذا مدعاه فلا بد من مناقشته في ما يراه موجباً للاظهرية والقرينية
ويمكن بيان مقصوده من الاظهرية بتوضيح أمور:الأول: ليس التنافي بين الاطلاق الشمولي والاطلاق البدلي بين الاطلاقين، وانما التنافي بين الاطلاق البدلي وبين الشمولية في الاطلاق الشمولي؛ لوضوح ان إطلاق أكرم عالماً ينافي الشمولية في لا تكرم فاسقاً
الثاني: ان كلاً من الشمولية والبدلية لا تستفادان من الاطلاق وانما يستفاد ذلك من قرينة خارجية، فلا يدل الاطلاق الا على ان الطبيعة التي ذكرت في الدليل من دون قيد هي تمام موضوع الحكم، واما ان هذا الحكم اخذ على نحو مطلق الوجود او انه اخذ على نحو صرف الوجود فهذا يستفاد من قرينة خارجية عقلية او لفظية، كما في قوله تعالى ﴿اقيموا الصلاة﴾[1] فان مقتضى اطلاقها تعلق الحكم بالطبيعة وبقرينة حكم العقل بعدم امكان تكليف الانسان بالإتيان بجميع افراد الصلاة يحتم علينا افتراض البدلية في الدليل، بينما في قوله تعالى ﴿احل الله البيع﴾[2] فان اطلاقه شمولي بقرينة انه من اللغو في الكلام ان يحل الشارع بيعاً واحداً من البيوع غير معلوم الوصف
وحينئذ يقال حيث ان التنافي بين الاطلاق البدلي وبين الشمولية في المطلق الشمولي وحيث ان الشمولية تستفاد من قرينة خارجية فهذه القرينة الخارجية تصلح لان تكون مقيدة للإطلاق البدلي ومانعة من انعقاد مقدمات الحكمة فيه لأنها قرينة خارجية على الخلاف