41/02/02
الموضوع: الأصل الثانوي في الدليلين المتعارضين
جرت عادتهم في هذا المقام على ذكر الموارد التي وقع الكلام في دخولها في باب التعارض المستقر او عدم دخولها فيه والظاهر ان منشأ الشك هو الكلام في ان هذه الموارد هل تقبل الجمع العرفي ام لا فان قبلته تخرج عن باب التعارض المستقر، فوقع الكلام في جملة من الموارد
المورد الأول: في ما اذا تعارض عام ومطلق أي تعارضت الدلالة الوضعية في احد الدليلين مع الدلالة الإطلاقة المستندة الى مقدمات الحكمة في الدليل الاخر كما اذا ورد اكرم كل عالم وورد لا تكرم فاسقاً بنحو تكون النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه فيتعارضان في مادة الاجتماع والكلام يقع في ما ادعي من تقديم العام على المطلق في مادة الاجتماع ومعناه اخراج مادة الاجتماع من المطلق فيحمل المطلق على غير مادة الاجتماع فاذا قدمنا العام فالنتيجة ان نحمل المطلق على غير موارد شمول العام وهو نوع من التقييد للدليل المطلق ويعتبر هذا جمعاً عرفياً بين الدليلين فهل هذا صحيح او يصار الى استقرار التعارض بين الدليل باعتبار ان النسبة بينهما هي العموم والخصوص من وجه لا العموم والخصوص المطلق؟
ذكروا بان الشيخ الانصاري (قده) يلتزم بتقديم العام على المطلق وذكر تقريب لهذا التقديم وحاصله ان دلالة العام في العموم دلالة وضعية فتكون تنجيزية غير متوقفة على شرط بينما دلالة المطلق على الاطلاق ثابتة بمقدمات الحكمة التي أحدها عدم البيان على الخلاف والعام بيان على الخلاف لان العام يدل بعمومه على شمول حكمه لمادة الاجتماع فيجب اكرامه بخلاف الاطلاق فلا تتم مقدمات الحكمة في المطلق فينهدم ظهوره في الاطلاق
وقد اعترض صاحب الكفاية عليه بان المراد من عدم البيان المأخوذ في مقدمات الحكمة هو عدم البيان في مقام التخاطب لا مطلقاً فاذا تم الكلام وانتهى التخاطب ولم يكن هناك بيان على الخلاف فتتم مقدمات الحكمة وينعقد للكلام ظهور في الاطلاق فيكون معارضاً لظهور العام في العموم ولا وجه لتقديم العام على المطلق بهذا الدليل نعم صريح كلامه انه يعترف بتتميم هذا الوجه في ما اذا كان المطلق والعام متصلين لأنه جاء بما يصلح ان يكون بياناً على خلاف المطلق في مقام التخاطب
واما إذا كانا منفصلين فلا وجه لتقديم العام على المطلق لان ظهور كل منهما يصبح تنجيزياً اما العام فلان دلالته وضعية واما المطلق فلتمام مقدمات الحكمة ولا وجه لتقديم العام على المطلق حينئذ
وقد التزم المحقق النائيني والسيد الخوئي (قدهما) بما التزم به الشيخ الانصاري (قده) من تقديم العام على المطلق ويرون بان ما ذكره صاحب الكفاية من ان المراد من عدم البيان في مقدمات الحكمة هو عدم البيان في مقام التخاطب ليس بصحيح بل المراد به عدم البيان مطلقاً وان كان منفصلاً
وينبغي الإشارة الى ان الكلام في هذه المسألة يبتني على الدعوى المتقدمة من ان دلالة أداة العموم على العموم لا تتوقف على اجراء مقدمات الحكمة في مدخولها كما هو الصحيح، واما إذا قلنا بان أداة العموم موضوعة لإفادة عموم ما يراد من مدخولها وان دلالتها على العموم تتوقف على اجراء مقدمات الحكمة في مدخولها، فحينئذ لا وجه لتقديم العام على المطلق لان دلالة كل منهما تتوقف على مقدمات الحكمة، فيخرج هذا عن محل الكلام في تعارض العام مع المطلق ويدخل في تعارض الاطلاقين
والكلام يقع تارة في ما اذا كانا متصلين ثم في ما اذا كانا منفصلين، وان كان ظاهر كلماتهم انهم يقصدون فرض الانفصال
الحالة الأولى: ما إذا كان الدليلان متصلين، وهذا هو الذي ذكر فيه الوجه السابق من ان دلالة العام وضعية تنجيزية لا تتوقف على مقدمات الحكمة بينما دلالة المطلق تتوقف على مقدمات الحكمة ومنها عدم البيان والعام يصلح ان يكون بياناً
والظاهر ان هذا الدليل تام لتقديم العام على المطلق في فرض الاتصال كما اعترف صاحب الكفاية بالتقديم في هذه الصورة فانه يرى ان العام يكون بياناً على خلاف الاطلاق في صورة الاتصال فلا تتم مقدمات الحكمة في المطلق فينهدم أصل ظهوره، والوجه فيه ان عدم البيان الذي هو من مقدمات الحكمة يراد به عدم ما يكون بياناً في نفسه على مورده وليس المقصود به ما يكون قرينة حتى يأتي الكلام هل العام قرينة على المطلق، ولا اشكال في كون العام بياناً في نفسه على مورده
وانعقاد الاطلاق في المطلق متوقف على عدم ما يكون بياناً على الخلاف والعام بيان على الخلاف
واما إذا كان العام والمطلق في خطابين منفصلين فنفس الدليل الذي ذكره الشيخ لتقديم العام على المطلق في فرض الاتصال يأتي هنا من ان دلالة العام وضعية تنجيزية بينما دلالة المطلق معلقة على عدم ورود بيان على الخلاف والعام يصلح ان يكون بياناً على الخلاف فلا ينعقد الاطلاق في المطلق فيقدم العام على المطلق وان كان منفصلاً
وبعبارة أخرى: ان الاطلاق يتوقف على عدم البيان مطلقاً سواء كان متصلاً او منفصلاً
وذكر في الكفاية بان عدم البيان المأخوذ في مقدمات الحكمة هو عدم البيان في مقام التخاطب لا مطلقاً ولذا ففي حالة الاتصال ينهدم الظهور في الاطلاق دون حالة الانفصال ففيها ينعقد الظهور في الاطلاق فلا وجه لتقديم العام على المطلق بهذا الوجه، نعم قد يكون هناك وجه اخر لتقديمه كما سياتي ان شاء الله
وما ذهب اليه المحقق النائيني والسيد الخوئي (قدهما) من ان المراد من عدم البيان في مقدمات الحكمة هو عدم البيان مطلقاً يوقعهم في ورطة وهو انه بناءً على هذا المبنى لا بد من ان نلتزم بان المطلقات لا تكون حجة؛ لأنها تتوقف على عدم البيان على الخلاف مطلقاً ولو بدليل منفصل ولعل هناك بيان على الخلاف ولم يصل الينا
فإما ان نلتزم بما يقوله صاحب الكفاية من ان المراد هو عدم البيان المتصل ولازمه عدم تقديم العام على المطلق في حالة الانفصال، او نلتزم بان المراد به عدم البيان مطلقاً ولو منفصلاً فلا بد من ان تحل هذه المشكلة وهي انه كيف يمكن التمسك بالاطلاق مع احتمال وجود بيان على الخلاف لأنه بهذا الاحتمال يحصل الشك في الاطلاق