الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/01/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الأصل الثانوي في الدليلين المتعارضين

كان الكلام في دوران الامر بين التعيين والتخيير وقلنا ان مقصودنا به في باب التعارض هو دوران الامر بين التعيين والتخيير في الحجية، وقلنا باننا نتكلم في مقامين

المقام الأول: في ما اذا دل احد الدليلين المتعارضين على الالزام ودل الاخر على الترخيص كما لو دل الأول على الوجوب ودل الاخر على الاباحة.

المقام الثاني: ما إذا دل كلا الدليلين على الالزام مع فرض التعارض بينهما كما لو دل أحدهما على الوجوب ودل الاخر على الحرمة.

وذكرنا ان الفروض في المقام الأول ثلاثة:

الفرض الأول: ان يكون احتمال التعيين في الدليل الدال على الالزام دون الاخر.

الفرض الثاني: ان يكون احتمال التعيين في الدليل الدال على الاباحة ولا نحتمل التعيين في الدليل الدال على الالزام.

الفرض الثالث: ان نحتمل التعيين في كل منهما.

اما الفرض الأول: ففي المقام يوجد رايان

الراي الأول: الالتزام بالأخذ بمحتمل الاقوائية وهو الدليل الدال على الالزام باعتبار ان الامر يدور بين الحجية التعيينية لدليل الالزام وبين الحجية التخييرية له فعلى كل حال يكون حجة بلا اشكال وكلما دار الامر بين التعيين والتخيير فالقاعدة تقتضي التعيين، بينما الاخر ليس حجة على كل تقدير فعلى تقدير ان تكون الاقوائية في الدليل الدال على الالزام فالدليل الدال على الاباحة لا يكون حجة

ومن هنا يتبين الدليل على الراي الأول فيستدل على الاخذ بالدليل الدال على الالزام بانه معلوم الحجية على كل حال بينما الاخر لا يعلم حجيته على كل حال ولا بد من تقديم ما يعلم حجيته على كل حال، اذ المفروض عدم السقوط المطلق

ويمكن ان يلاحظ على هذا الراي بان دليل الالزام في محل الكلام يكون معلوم الحجية في حالتين، فان الصور في المقام ثلاثة

الحالة الأولى: حالة الالتزام به فاذا التزم المكلف بدليل الوجوب يكون معلوم الحجية سواء كانت حجيته تعيينية او تخييرية اما إذا كانت تعيينية فواضح واما إذا كانت حجيته تخييرية فلان الحجية التخييرية تعني ان أياً من الدليلين المتعارضين التزم به المكلف يكون هو الحجة عليه

الحالة الثانية: حالة عدم الالتزام بكل من الدليلين فبها يكون الدليل الدال على الوجوب معلوم الحجية سواء كانت حجيته تعينية او تخييرية

الحالة الثالثة: حالة الالتزام بالدليل الاخر الدال على الاباحة ففي هذه الحالة لا علم بحجية الدليل الدال على الوجوب لاحتمال ان تكون الحجية تخييرية ومعها فاذا التزم بأحد الدليلين يكون هو الحجة عليه فاذا التزم بالدليل الدال على الاباحة كان هو الحجة عليه والدليل الدال على الوجوب لا يكون حجة، فالدليل الدال على الوجوب لا يكون حجة على كل حال

ومن هنا يتبين باننا لا نستطيع القول بان الدليل الدال على الالزام معلوم الحجية على كل حال فعلى الاحتمال الثالث لا يكون حجة في ما اذا كانت الحجية تخييرية في الواقع بان لا تكون هناك اقوائية أصلاً فاذا التزم بالدليل الدال على الاباحة يكون هو الحجة عليه ولا يكون الدليل الدال على الالزام حجة في هذه الحالة

والحاصل ان التعيين يعني الالزام بألاخذ بدليل الوجوب ونحن نقول بانه لا دليل على إلزام المكلف بالأخذ بدليل الوجوب بل يجوز له ان يأخذ بالدليل الاخر على تقدير الحجية التخيرية وحيث ان الحجية التخييرية محتملة فلا علم بحجية الدليل الدال على الالزام على كل حال، وبهذا يتبين بطلان ما استدل به للراي الاول

الراي الثاني: الالتزام بالتخيير ولو كان الدليل الدال على الوجوب محتمل التعيين باعتبار جريان الأصل المؤمن عن التعيين فتجري البراءة لنفي الحجية المطلقة لدليل الوجوب وهذا الأصل المؤمن لا يعارض بالأصل المؤمن لنفي الحجية التخييرية، اذ لا معنى لجريان الأصل المؤمن في الحجية التخييرية لان الحجية التخييرية لدليل الوجوب تعني ان هذا الدليل هو الحجة في حالتين هما حالة الالتزام به وحالة عدم الالتزام باي منهما، واما في حالة عدم الالتزام به والالتزام بالدليل الاخر فالدليل الدال على الوجوب لا يكون حجة

لأننا نجري البراءة لنفي الكلفة الزائدة، والحجية لدليل الوجوب في حالة الالتزام به وفي حالة عدم الالتزام بهما ثابتة على كل حال سواء كانت حجيته تعيينية ام تخييرية فلا يمكن نفيها بالبراءة، وانما يجري الأصل المؤمن اذا كان الغرض اثبات حجية الدليل الدال على الوجوب حتى مع الالتزام بدليل الاباحة فهذه كلفة زائدة لا علم بها فنجري الأصل المؤمن لنفيها، فلا مشكلة في اجراء الأصل المؤمن لنفي التعيين، ولا يعارض بإجراء الأصل لنفي الحجية التخييرية للدليل الدال على الالزام لوضوح ان الحجية التخييرية للدليل الدال على الالزام لا كلفة فيها

الفرض الثاني: إذا كان احتمال الاقوائية في الدليل الدال على عدم الالزام، وهنا نثبت خلاف ما اثبتناه في الفرض الأول بان نثبت التعيين في جانب الدليل الدال على الاباحة بإجراء الأصول المؤمنة لنفي الحجية التخييرية لدليل الوجوب لأنها تتضمن حجية الدليل الدال على الوجوب في حالة الالتزام به وهذه كلفة زائدة يمكن نفيها بالأصول المؤمنة بمعنى انه حتى في حالة الالتزام به لا يكون حجة، بينما الحجية التعينية في الدليل الدال على الاباحة لا كلفة فيها فلا تجري فيها البراءة

فالحجية التخييرية في الدليل الدال على الوجوب فيه كلفة وهي تعين العمل بالدليل الدال على الوجوب في حالة الالتزام به بينما الحجية التعيينية للدليل الدال على الاباحة لا كلفة فيها لان مضمونه الاباحة وإطلاق العنان فلا تجري البراءة لنفيه، فننفي الحجية التخييرية لدليل الوجوب ونثبت الحجية التعيينية لدليل الاباحة

وبعبارة أخرى: مع احتمال تعين الحجية بدليل الاباحة لا علم بالوجوب وانما هو مجرد احتمال فتجري البراءة لنفيه واثبات الاباحة إذا التزمنا بالدليل الدال على الاباحة