الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/01/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: في بيان الأمور التي تخرج عن باب التعارض

كان الكلام في المخصص المنفصل والوجه في تقديم الخاص على العام فيه وعدم الحكم بالتساقط، وتكلمنا حول الاتجاه الأول، والاتجاه الثاني وهو التقديم بملاك الاقوائية والاظهرية وذكرنا بانه اذا قلنا بان ملاك الاقوائية هو التقديم في الحجية مع انعقاد كلا الظهورين الخاص والعام فهذا الوجه يجري في المخصص المنفصل لوضوح بانه في المخصص المنفصل ينعقد كلا الظهورين لان المخصص المنفصل لا يهدم اصل الظهور وانما هو يزاحم العام في الحجية

نعم إذا قلنا بان التقديم ليس في الحجية وانما المخصص المتصل يهدم الظهور في العام فيتقدم عليه وحينئذ لا يمكن ان نطبق هذا الوجه في التقديم على المخصص المنفصل لوضوح انه لا يهدم أصل الظهور، وبناءً على هذا يكون فرق واضح بين المخصص المتصل والمخصص المنفصل فما يقال من ان المخصص المتصل يهدم أصل الظهور في العام لا يمكن ان يقال في المخصص المنفصل

لكن قلنا بان الصحيح هو ما ذكرناه من انه بناءً على الاتجاه الثاني من ان التقديم بملاك الاقوائية في المخصص المتصل والمنفصل ليس قائماً على أساس هدم ظهور العام بل هو قائم على أساس أن الأقوى دلالة يتقدم على الأضعف دلالة حسب قانون عام في باب المحاورات العرفية، وهذه الاقوائية كما هي موجودة في المخصص المتصل هي موجودة في المخصص المنفصل، فالاتصال والانفصال لا يؤثر في كون الخاص اقوى دلالة في مورده من العام، والقانون العقلائي ان الأقوى دلالة يقدم على الأضعف دلالة

واما الاتجاه الثالث القائل بان التقديم قائم على أساس القرينية وكون الخاص قرينة على العام وقلنا بان قرينية الخاص غير معدة اعداداً شخصياً والا دخلت في باب الحكومة وانما هي معدة اعداداً نوعياً فلابد ان نفترض وجود تباني من قبل العقلاء على جعل الخاص قرينة على العام ومفسراً له والاصل في المتكلم ان يتبع الطريقة العقلائية في محاوراته،

وقد يقال بان هذا التباني مختص بالمخصصات المتصلة لأنه القدر المتيقن من هذا التباني وفي المقابل قد يقال بانه شامل للمخصصات المنفصلة فهذا الاتجاه حيادي بالنسبة للطرفين فلا نستطيع ان نجزم بجريانه في المخصص المنفصل او عدم جريانه فيه

والى هنا يتم الكلام عن مقتضى الأصل الاولي في الدليلين المتعارضين بلحاظ دليل الحجية العام

تنبيهات ترتبط بالأصل الاولي:

التنبيه الأول: ان الأصل الاولي هو التساقط سواء وقع التعارض بين روايتين او وقع التعارض بين روايتين من جهة ورواية واحدة من جهة أخرى، وان كان المتداول في كلمات الفقهاء في باب التعارض (بان هذا يتقدم عليه لأنه اكثر عدداً واقوى سنداً) فالظاهر ان هذا ليس وجهاً للترجيح لأنه لم يدل دليل على الترجيح بكثرة العدد في احد الطرفين المتعارضين، نعم لابد من استثناء حالة ما اذا كانت كثرة العدد واصلة الى حد توجب العلم بكذب الطرف الاخر وخطأه، الا ان هذا التقديم باعتبار انه اوجب العلم بخطأ المعارض وهو خارج عن محل الكلام لان كلامنا في التعارض بين دليلين متكافئين في الحجية بحيث يكون كل منهما حجة في حد نفسه

ونفس الكلام يقال في ما اذا كان احد الدليلين اقوى سنداً من الاخر مع فرض ان كلاً منهما حجة كما لو حصل التعارض بين رواية صحيحة وأخرى موثقة فهذا أيضاً لا دليل على الترجيح به لان الميزان على الحجية فاذا استكملا شرائط الحجية يقع التعارض بينهما ويحكم بالتساقط

التنبيه الثاني: الظاهر انه لا يفرق في جريان هذا الأصل بين ما إذا كان الدليلان المتعارضان مظنوني الصدور والدلالة وبين ما إذا كانا مقطوعي الصدور مظنوني الدلالة وبين ما إذا كانا مظنوني الصدور مقطوعي الدلالة وبين ما إذا كانا مختلفين بان يكون أحدهما مقطوع الصدور مظنون الدلالة والأخر مظنون الصدور مقطوع الدلالة

لا يقال بانه إذا كان أحد الدليلين مقطوع الصدور والأخر مظنون الصدور فلابد ان يقدم الأول على الثاني باعتبار ان مظنون الصدور لا يصلح لان يكون معارضاً لمقطوع الصدور

لانا نقول بان التعارض لا يقع بلحاظ جهة القطع وانما يقع التعارض بلحاظ الجهة الأخرى التي هي ليست قطعية فالأول وان كان مقطوع الصدور لكنه ظني الدلالة فيقع التعارض بين الصدور الظني والدلالة الظنية

واما ما أشار اليه الشيخ الانصاري (قده) من انه في الصورة الأولى التي يكون فيها كل من الدليلين قطعي الصدور من وجوب الاخذ بهما بعد تأويلهما على خلاف ظاهرهما كما لو فرضنا ان دليل (لا باس ببيع العذرة) ودليل (ثمن العذرة سحت) كل منهما قطعي الصدور ولكن يتعارضان بظهورهما فلابد من تأويل ظاهرهما بحمل الثاني على عذرة الانسان والأخر على عذرة غيره

فهو لا يخلو من التأمل والاشكال باعتبار ان هذا التأويل ان كان يدخل في باب الجمع العرفي فهو صحيح ولكنه خارج عن محل الكلام لان الكلام في التعارض المستقر، واما ان كان جمعاً تبرعياً صرفاً فهذا لا دليل على اعتباره، نعم لا نستطيع ان نحكم بكذب أي منهما لانهما مقطوعي السند كما انه لا يمكن العمل بظاهرهما لأجل التعارض وكذلك لا يمكن تأويلهما على أساس الجمع التبرعي بحيث نشخص مراد المتكلم على أساس هذا التأويل والجمع التبرعي بل يتعين في هذه الحالة الالتزام بالتساقط بمعنى ان الدلالات تتساقط أي لا يمكننا ان نشخص مراد المتكلم على ضوء هاتين الدلالتين الموجودتين في هاتين الروايتين

وبهذا يتبين ان التساقط كقاعدة أولية تجري في جميع الحالات