الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الأصول

41/01/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: في بيان الأمور التي تخرج عن باب التعارض

قلنا ان هناك بعض الأمور التي تخرج من التعارض ولا يلتزم فيها بالتساقط بل يلتزم فيها بتقديم أحد الدليلين على الاخر وذكرنا منها التخصص والورود وهما من باب واحد ففي كل منهما يكون خروج الفرد عن موضوع الاخر خروجاً حقيقياً الا انهما يفترقان في الاستعانة بالتعبد الشرعي في الورود دون التخصص

ونحن نريد ان نبين الوجه في خروجهما عن باب التعارض، او بعبارة أخرى الوجه في تقديم أحد الدليلين على الاخر

والوجه فيهما هو كون أحد الدليلين رافعاً لموضوع الاخر حقيقة بينما الدليل الاخر (المورود) لا يتعرض الى الدليل الاخر اطلاقاً (الوارد).

المورد الثالث: الحكومة بان يكون أحد الدليلين ناظراً للدليل الاخر ومبيناً للمراد النهائي منه وذلك بان تجعل فيه خصوصية تدل على نظره الى الدليل الاخر وكونه مفسراً ومبيناً للمراد منه من قبيل (لا ربا بين الوالد وولده) مع الدليل الدال على حرمة الربا، والنظر في الحكومة يكون بإعداد شخصي من قبل المتكلم كما اذا قال اقصد او اعني،

والدليل الحاكم بحكم نظره الى الدليل المحكوم وكونه مفسراً له يكون له ظهور اخر في ان ظهوره يتقدم على ظهور الدليل المحكوم، فلا بد من رفع اليد عن ظهور الدليل المحكوم والالتزام بحرمة الربا عدا الربا بين الوالد وولده، وحينئذ لا تعارض بينهما فانه لا يلتزم بالتساقط هنا بل يلتزم بتقديم احد الدليلين على الاخر

المورد الرابع: التخصيص وهو الإخراج من الحكم بان يثبت أحد الدليلين الحكم على الطبيعة السارية في افرادها جميعاً ويأتي دليل ينفي الحكم عن بعض الافراد، والكلام يقع أولاً في المخصص المتصل ثم في المخصص المنفصل،

والمقصود بالمخصص المتصل هو ما إذا ورد كل من العام والخاص في جملة مستقلة ولكن الجملتين اقترنتا بان كانت الجملة الدالة على الخاص متعقبة للجملة الدالة على العام، وليس المقصود به ما كان من قبيل قوله أكرم العلماء العدول فان هذا لا تخصيص فيه بل الحكم فيه منذ البداية انصب على الطبيعة المقيدة،

وفي تقديم الخاص على العام الذي لا اشكال فيه وعدم دخوله في باب التعارض هناك اتجاهات:

الاتجاه الأول: ما ذكره في الكفاية من ان أداة العموم تدل على عموم ما يراد من مدخولها في قبال الرأي الاخر القائل بانها تدل على عموم ما وضع له المدخول، ورأي الكفاية يعني اننا لا بد ان نشخص المراد من المدخول من البداية ففي بعض الأحيان يراد الاطلاق من المدخول ولكن إذا فرضنا اننا لم نتمكن من اثبات الاطلاق كما لو اختلت بعض مقدمات الحكمة فلا يمكن اثبات التعميم لكل افراد الرجل بل لابد من الاقتصار على القدر المتيقن

وهذا الوجه الأول يبتني على الراي غير المشهور الذي يرى ان اثبات العموم في طول اجراء مقدمات الحكمة فلا يمكن اثبات العموم لو منع مانع من اجراء مقدمات الحكمة، والمفروض في محل الكلام اقتران الخاص بالعام وهو يصلح لان يكون قرينة على عدم إرادة الاطلاق من مدخول اداة العموم، وهو انما يمنع من الاطلاق بمقداره ولا قابلية له للمنع عما هو ازيد من ذلك واما الباقي أي ما عدا الخاص فلا مانع من اجراء مقدمات الحكمة فيه واثبات الاطلاق فتدل أداة العموم على التعميم بلحاظ الباقي بعد خروج مورد الخاص، والنتيجة انه في مثال لا تكرم النحويين واكرم كل عالم، نلتزم بحرمة اكرام هذه الطائفة عملا بالخاص واما العام فينعقد له ظهور من اول الامر في ما عدا الخاص، ومن الواضح انه لا تعارض بين عام لا يشمل الخاص وبين الخاص

وهذا الوجه لما كان يبتني على المبنى المشار اليه وهو غير مقبول عند المشهور كما هو الحق فان أداة العموم موضوعة لعموم ما وضع له مدخولها، وقد ذكروا عدة منبهات على عدم صحة المبنى الاخر:

منها: انه لو تم لصح الاكتفاء بمقدمات الحكمة لإثبات العموم بلا حاجة الى أداة العموم كما لو قال أكرم العالم وجرت مقدمات الحكمة في العالم فيثبت العموم بدون الحاجة الى (كل) فيكون الاتيان بالأداة لغو عندئذ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به

ومنها: الإحساس الوجداني لدى الانسان العرفي بالفرق بين أكرم كل عالم وأكرم العالم فبالوجدان نحس بان اثبات العموم في الأولى لا يتوقف على شيء لان (كل) موضوعة لذلك

ومنها: انه في بعض الحالات لا يمكن ان يكون هذا الوجه مبرراً لتقديم الخاص على العام وهي حالة ما اذا كانت دلالة الخاص على العموم أيضاً بالإطلاق، كما في الرأي القائل بدلالة صيغة الامر على الوجوب بالإطلاق فاذا قال اكرم الفقيه وورد في قباله دليل يدل على انه لا يجب اكرام أي عالم، ودلالة الثاني على العموم بناءً على هذا المبنى تتوقف الاطلاق واجراء مقدمات الحكمة في مدخول (أي) وكذا دلالة الأول على الوجوب متوقفة على الاطلاق ومقدمات الحكمة، فأي مبرر لتقديم الخاص على العام واعتباره قرينة مانعة من اجراء مقدمات الحكمة في العام فيلتزم بالتخصيص، فلم لا نعكس ونجعل العام قرينة مانعة من اجراء مقدمات الحكمة في الخاص وحمله على الاستحباب، ولان الوجه الذي يبتني عليه هذا الوجه ليس تاماً فلا يتم هذا الوجه الأول.